للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر والباطن هو دعوة الإسلام الحقيقة، ولذلك فإن أولئك الذين تعبر عنهم الآية القرآنية الآتية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ [البقرة: ٢٠٤، ٢٠٥]، لا مكانة لأولئك الناس الذين لهم ظاهر يغرى، وباطن يؤذى، وكلاهما من الضلال البعيد، كما عبرت الآية فى المثل القرآنى.

٧ - قال الله تعالى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: ٤٥].

سيق هذا المثل فى جو يبرز موقف الكافرين الذين ظلموا الرسول، فلم يؤمنوا بما جاء به، وظلموا أنفسهم، فألقوا بها فى المهالك جزاء عنادهم وإصرارهم على الباطل، ومتابعة الشيطان، فالله سبحانه وتعالى ليس غافلا عما يفعل الظالمون، وسيكون لهم ذلك الجزاء الذى يتناسب مع أعمالهم فى يوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعى رءوسهم، لا يرتد إليهم طرفهم، ويتملكهم الفزع والرعب، ولا يستطيعون لهذا العذاب دفعا، حتى أنهم يتجهون إلى الله بالدعاء أن يكتب لهم حياة دنيوية أخرى يصلحون فيها أحوالهم، ويتبعون الرسول، ولكن هيهات، فقد بان منهم الكفر، وظهر منهم العناد، ووضحت حقيقتهم فى معارضتهم لآيات الله، واعتقادهم بأنه لا قدرة لأحد على إماتتهم، وأن دنياهم هى آخر المطاف، فلا رجعة مرة أخرى، ولا حياة ثانية يؤمنون بها.

كل ذلك تناولته الآيات القرآنية، وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ [إبراهيم: ٤٢ - ٤٤].

هذه الآيات مهدت لما يأتى فى المثل، فهى تجعل اللاحق كالسابق فى اعتقاده، وموقفه، وعقابه؛ لأنه ارتدى ثيابه، وسلك طريقه، وأخذ بتعاليمه، وصد صدوده، وسكن فى مساكنه.

فهذا المثل يضرب لكل طاغ ومتجبر يسكن مساكن الظالمين، الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم، فكانت عاقبتهم الهلاك، ومع ذلك لا تؤثر فيه تلك الآثار الباقية التى تتحدث

<<  <   >  >>