للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقت اختلت فيه الموازين، وتفشت فيه عوامل الفساد فى كل شىء، فى معتقداته، فى اقتصادياته، فى طبقاته، فى نظمه وعاداته.

وإذا رجعنا إلى التاريخ السحيق قبل بعثة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وفى أيام بعثته، وجدنا دولا كبرى تتمثل فى فارس والروم، ووجدنا أنظمة رأسمالية بشعة بكل طغيانها وتحكماتها، واستغلالها لكل جهد وحق، وإهدارها لكل قيمة من القيم النبيلة فى سبيل تحقيق أهواء حكامها، وشهوات أصحابها، ونظرتهم الطبقية المهينة، كما نجد فى صفوف هذه المجتمعات أيضا طبقة العبيد الذين يكدون ويكدحون، ويحرمون من أجورهم، فلا حق لهم فى مال، ولا حق لهم فى تملك، وإنما إذلال لآدميتهم وكرامتهم، واستغلال بشع لجهدهم وجهدهم، وحرمان من التملك الذى هو سمة المخلوق البشرى الذى خلقه الله وميزه على بقية المخلوقات.

وشبيه بتلك المجتمعات الكبرى المجتمعات العربية، وما بها من أوضاع لا تختلف عن تلك الأوضاع السيئة المزرية، ففيها الإقطاع بكل صوره وأشكاله، الطبقات من سادة، وأشراف، وعبيد، وألوان، وقبائل، وحضر، وبادية، أدت كل هذه الاختلافات إلى تباين شاسع يعيش فيه المجتمع العربى، ويمزق صفوفه، ويسرع إلى انهيار بنائه.

لذلك ساءت فيه أوضاع القوم، ولم يبق إلا ذلك البصيص من النور الذى يشع فيضعهم على الطريق، ويأخذ بأيديهم على أول درجة من درجات الفهم الواعى لروح الدعوة المنتظرة، دعوة السماء إلى الأرض، دعوة الإسلام، بدأ ذلك بتلك الدعوات السماوية التى أرادت أن يكون بناء تلك الأمة الجديدة بعيدا كل البعد عن روح التكليف والفرض والإلزام، وهى أمور يأنف منها الإنسان، أى إنسان، فما بالك بالعربى الذى يجد حريته وتحقيق وجوده فى الانطلاق فى أرضه وسمائه، دعوات إلى الحب والتآلف، وهو الهدف الأول للدعوة الإسلامية، أن توجد روح المحبة فى النفوس، وتؤلف بين القلوب برباط متين لا تنقضه الأيام.

لذلك كانت الدعوة إلى البذل والعطاء، والإنفاق فى سبيل الله، تتكرر فى كثير من المواطن، وتتفق فى روحها وأهدافها، وتثير فى المؤمن دوافع الشفقة، والإحساس بما يفرضه الواجب عليه حيال غيره فى المجتمع والأمة، وحيال الأفراد والجماعات، السبل كثيرة، وتبقى أن تلتقى معها النفوس الكثيرة أيضا فى إنفاقها وبذلها، وكل ما يعلى من

<<  <   >  >>