للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فان كان المراد بالبلاء هنا المحنة كان راجعا إلى عمل فرعون، الذي سلّطه الله عليهم ليختبر صلابتهم وثباتهم، ثم نصرهم عليه في نهاية الأمر. وإن كان المراد بالبلاء النعمة فهو راجع إلى ما أنعم الله به عليهم من النعم التي ذكّرهم بها هنا، ومنها انجاؤهم من آل فرعون بعد ما لقوا على أيديهم الأهوال، فكان حدوث هذه النعمة مصدر ابتلاء لهم، واختبار لمدى اعترافهم بفضل الله عليهم.

٥٠ - وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ

تشير هذه الآية إلى خروج بني إسرائيل من مصر، وتروي معجزة حققها الله على يد نبيه موسى، إذ واجه بنو إسرائيل البحر، وكان فرعون وجنوده يطاردونهم، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق البحر عن طرق يابسة مرّ فوقها بنو إسرائيل، وعبروا البحر سالمين، ولما رأى فرعون هذه الطرق اليابسة اقتحم البحر بجنوده متابعا لهم، فغشيهم البحر، وأغرقهم بمياهه. برغم هذه المعجزة الباهرة التي وقعت لبني إسرائيل، على يد موسى، فإنهم عادوا إلى العصيان من جديد، فكان العقوق والعصيان في أوائلهم، كما كان في أواخرهم حين خاطبهم القرآن مذكّرا بنعم الله عليهم في سالف الزمن، فما سمعوا ولا انقادوا.

وقد علل المعتزلة وقوع مثل هذه المعجزة على النحو التالي: «إنّ في المكلفين من يبعد عن الفطنة والذكاء، ويختص بالبلادة، وعامة بني إسرائيل كانوا كذلك، فاحتاجوا في التنبيه إلى معاينة الآيات العظام كفلق البحر ورفع الطور وإحياء الموتى، ألا ترى أنهم بعد ذلك مروا بقوم يعبدون الأصنام، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلا لها كما لهم آلهة».

وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أي وأنتم تبصرون ما وقع بهم من هلاك، وتشاهدون هذه المعجزة العظيمة التي أدت إلى هلاك عدو كان يطلب إهلاككم.

<<  <   >  >>