للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: حجة ابن نافع ما روي في التفسير أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ليت شعري، ما فعل أبواي؟

فنزلت: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)، فنهاه الله عن المسألة (١).

وهذا الحديث الذي احتجّ به أبو زرعة رحمه الله لا تقوم به حجة، ولم أعثر على وجه يقويه، وقد قال الحافظ السيوطي عند إيراده لهذا الحديث في الدّر: قلت هذا مرسل ضعيف الإسناد، ثم نقل أن عبد بن حميد، وابن جرير، والمنذر أوردوه عن محمد بن كعب القرظي.

ثم أورد السيوطي رواية أخرى أخرجها ابن جرير عن داود بن عاصم أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم: أين أبواي؟ .. فنزلت. ثم قال السيوطي: والآخر- أي الحديث الآخر- معضل الإسناد، ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجة (٢).

ولكن إسقاط هذه الحجة لا ينفي أن قراءة نافع هذه متواترة، ولكن ينبغي التماس سبب آخر لورودها لإقامته مقام الاحتجاج.

وأما جمهور القرّاء فقد قرءوها ب (لا) نافية، وثمة قراءة أخرى لابن مسعود غير متواترة، تظاهر هذا المعنى وهي: (ولن تسأل عن أصحاب الجحيم) (٣).

وحاصل توجيه قراءة الجمهور أنها على الاستئناف كأنه قال: وليست تسأل عن أصحاب الجحيم، أي بعد بلاغهم ما أوحي إليك، أو على الحال كأنه قال: وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم (٤).

[وثمرة الخلاف:]

أن إحدى القراءتين أفادت نهيا عن السؤال عن المشركين، ومقتضى النهي هنا ترك التّأسّف عليهم بعد أن حققت عليهم كلمة الله، وذلك أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان كثير التّأسف على إعراض المشركين.


(١) حجة القراءات لأبي زرعة ١١١.
(٢) انظر الدّر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ١/ ١١١.
(٣) معجم القراءات القرآنية ١/ ١٠٨، وقد أوردها معزوّة إلى ابن مسعود.
وانظر الكشاف للزمخشري ١/ ٩١، والتفسير الكبير للفخر الرازي ١/ ٤٧١.
(٤) حجة القراءات لأبي زرعة ١١١.

<<  <   >  >>