للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: فَكَذَّبُوا رُسُلِي [سبأ: ٣٤/ ٤٥]، وجعلوا الضمير في (ظنوا) للرّسل، والظّن بمعنى اليقين.

وحجتهم في ذلك أن ذكر الرّسل قد تقدم، ولم يتقدم ذكر المرسل (إليهم) فيجعل الضمير له، وإذا كان ذلك كذلك فالأولى أن يجعل الضمير للرّسل، فيكون الفعلان للرّسل، ويصير كلاما واحدا.

ومعنى الآية: (حتى إذا استيأس الرّسل من إيمان قومهم، وظنّوا- أي أيقنوا- أن قومهم قد كذبوهم؛ جاءهم نصرنا أي جاء الرّسل نصرنا) (١).

قالوا: ومعنى الآية: (حتى إذا استيأس الرّسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّت الرّسل أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك). قالت عائشة رضي الله عنها: (لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذبوهم) (٢).

[وثمرة الخلاف:]

أن التّأليف بين القراءات أفادنا عددا من المعاني لا سبيل إلى معرفتها لو لم تتعدّد هذه القراءات المتواترة. فقد دلّت قراءة الكوفيين، وأبي جعفر بالتخفيف أن نصر الله سبحانه آت، وأن من إرهاص هذا النصر أن يستئيس الرسل من إيمان قومهم، وأن تظهر شكوك بعض المؤمنين بقولهم: إن الرّسل قد أخلفوا ما وعدوا به من النصر، وكذلك قولهم: إن الرّسل قد كذبتهم فيما وعدتهم به من حلول العذاب بالمشركين.

وهذه المعاني كلها تدلّ لها قراءة التّخفيف، وهي تحمل الأنبياء ومن بعدهم من المصلحين، والدّعاة على الصبر، والتّحمل إذا رأوا شكوك الناس في رسالاتهم، ودعواتهم.

ودلّت قراءة الباقين بالتّشديد أن إعراض الناس، وتكذيبهم بالهدى، وصدّهم عن سبيل الله لا ينبغي أن يدفع إلى يأس الدّعاة، واستسلامهم بل هو إرهاص بقرب نصر الله عزّ وجلّ ودنو فرجه.


(١) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ٣٦٦.
(٢) حجة القراءات ٣٦٦. وانظر سراج القاري ٢٢٦. وعبارة الشاطبي:
... ... ... ... كذا نل، وخفف كذبوا ثابتا تلا

<<  <   >  >>