للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كان المنادي عيسى عليه السلام، لم يكن لنا أن نثبت لها ما قدمناه من هذه الصفة، والله سبحانه أعلم.

[المسألة الثانية عشرة:]

قوله تعالى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٢١/ ٨٧].

قرأ يعقوب: (فظنّ أن لن يقدر عليه). وقرأ الباقون: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (١).

وتوجيه قراءة يعقوب أن نبي الله يونس عليه السلام أراد الفرار من قومه لئلا يطاله أذاهم، فيكون كفار قومه في مقام نائب الفاعل المضمر في هذا المقام.

وبمثل قراءة يعقوب قرأ عبيد بن عمير، وقتادة، والأعرج لكن مع التشديد: (فظنّ أن لن يقدّر عليه). وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق، والحسن البصري، وابن عباس مثلما قرأ يعقوب بدون تشديد (٢).

وعلى قراءة يعقوب المتواترة، وقراءة قتادة، والأعرج الشاذة لا يوجد ما يعكر فهم النّص، إذ من شأن الأنبياء أن يظنوا أن الله لن يقدّر عليهم المصيبة، وأن يظنوا أن الكفرة لن يقدروا على إيذائهم، وذلك إحساس بشري مشروع لا يقدح في عصمة المرسلين.

ولكن الإشكال إنما يتوجه على قراءة الجمهور، وذلك كما روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه استدعى ابن عباس يوما، فقال له: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك.

قال: وما هي يا معاوية؟ فقرأ هذه الآية، وقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه؟

فقال ابن عباس: هذا من القدر لا من القدرة (٣).


(١) تقريب النّشر في القراءات العشر لابن الجزري ١٤٣. وعبارة طيبة النّشر:
... ... ... ... يقدر ياء واضممن
وافتح ظبي ... ... ... ... ... ...
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٠/ ٣٢٩.
(٣) الكشاف للزمخشري ٢/ ٥٨١.

<<  <   >  >>