للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة:]

قوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [الأنعام: ٦/ ١٦١].

قرأ نافع، وأبو جعفر المدنيان، وأبو عمرو البصري: (دينا قيّما ملّة إبراهيم حنيفا) أي مستقيما. وقرأ الباقون: دِيناً قِيَماً بالتخفيف (١).

قال أبو زرعة دينا قيما بكسر القاف؛ أي: مستقيما (٢)، أي: لا عوج فيه (٣)، وعلى ذلك جرى أكثر المفسرين أنها لغتان في الكلمة الواحدة، حتى نقل أبو زرعة عن الفراء قوله: في هذه الكلمة لغات. العرب تقول: هذا قيّام أهله، وقوّام أهله، وقيّم أهله، وقيم أهله (٤).

ونظائر القراءة بالتشديد في الكتاب العزيز قوله تعالى: ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ، وكذلك قوله سبحانه: فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ.

[وثمرة الخلاف:]

إنما تظهر من تعقّب معاني الكلمتين، فقد رأيت أن عامة المفسّرين جزموا بأنهما لغتان من الاستقامة، وبذلك تكون ثمرة الخلاف محدودة في إظهار توسع لغوي لأحد الألفاظ العربية.

ولكن رأيت في فتح القدير للشوكاني معنى آخر للقيم بالتشديد؛ حيث قال ما نصّه: الدين القيم، الدين المأمور بإقامة الوجه له (٥). فعلى ذلك تكون قراءة التشديد أفادتنا معنى جديدا للفظة المذكورة.

فيكون من دلالة قراءة التخفيف أن الإسلام دين مستقيم لا عوج فيه، ناطق بمراد الله هاد إلى أمره.


(١) قال الشاطبي في الحرز:
وكسر وفتح خف في قيما ذكا ... ... ... ...
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ٢٢٠.
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ٢٧٨.
(٣) القرطبي. الجامع لأحكام القرآن ٧/ ١٥٢.
(٤) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ٢٧٨.
(٥) فتح القدير للشوكاني ٤/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>