للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الخامسة:]

قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [النّمل: ١٦/ ٦٢].

قرأ نافع: (وأنّهم مفرطون)، وقرأ أبو جعفر: (وأنّهم مفرّطون)، وقرأ الباقون:

وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (١).

والتّفريط هو التضييع، وفرط في الأمر أي قصر فيه، وضيّعه حتى فات (٢)، ومنه قول كعب بن مالك في تخلّفه: وتفارط الغزو أي: فات وقته (٣). ومثله قول الله سبحانه: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف: ١٨/ ٢٨]، أي متروكا، ترك فيه الطاعة وغفل عنها (٤).

ودلالة القراءات الثلاث بحسب متعلقاتها؛ فقراءة نافع على تقدير الفاعلية، وقراءة أبي جعفر على المبالغة فيها، وقراءة الجمهور على تقدير المفعولية، وهذه المعاني جميعا لازمة المشركين في الآخرة كما دلّت القراءة المتواترة.

ونقل الزمخشري وجها آخر لأبي جعفر في الكشاف وهو: مفرّطون (٥)، وهو أيضا صيغة مبالغة من قراءة الجمهور، ولكن هذا النقل عن أبي جعفر لم يبلغ رتبة التواتر، فالعهدة فيه على رواته.

[وثمرة الخلاف:]

تظهر لك في التأليف بين المعاني التي دلّت لها تلك الوجوه، فالقرآن وصف الكفرة بأنهم مفرطون في حقّ أنفسهم، وفي حقّ دينهم، ضيّعوا فرائض الله، وتركوا أوامره، والقراءة الثانية أفادت المبالغة في هذا المعنى، فدلّت على عنادهم في التّفريط، والتّهاون في أمر الله ونهيه.


(١) أخبر ابن الجزري عن مذاهب العشرة في هذه الكلمة بقوله:
... ... ... ورا ... مفرطون اكسر (مدا) واشدد (ث) را
وانظر كذلك سراج القاري لابن القاصح العذري ٢٧٠. وعبارة الشاطبي في الحرز:
ورا مفرطون اكسر أضا ...
(٢) لسان العرب ٧/ ٣٦٠ باب فرط.
(٣) سيرة رسول الله ٣٢٠.
(٤) لسان العرب ٧/ ٣٦٨ باب فرط.
(٥) الكشاف للزمخشري ٢/ ٤١٥.

<<  <   >  >>