للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخبرت القراءة الثالثة بأن الله سبحانه جازاهم من جنس ما يفعلون، فكما فرطوا في أمر الله وضيّعوه، فرّط الله في أمرهم وضيّعهم، وهو من المشاكلة التي وردت مرارا في القرآن الكريم، ونظائرها: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التّوبة: ٩/ ٦٧]، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: ٢/ ١٥]، وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمران: ٣/ ٥٤].

ولا شكّ أن سبيل إدراك هذه المعاني جميعا من منطوق آية واحدة؛ إنما هو بتحصيل الوجوه الثلاث من القراءة المتواترة والله أعلم.

[المسألة السادسة:]

قوله تعالى: قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [الفرقان:

٢٥/ ١٨].

قرأ أبو جعفر المدني: (ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ) بصيغة المبني للمجهول.

وقرأ الباقون: ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ (١).

ونقل الزمخشري في الكشاف في توجيه قراءة أبي جعفر أن هذا الفعل- يعني:- اتخذ- يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتّخذ زيد وليّا، وإلى مفعولين، كقولك: اتّخذ زيد فلانا وليّا. أي ما ينبغي لنا أن نعبد من دون الله، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ، وقال: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد، وهو من أولياء، والأصل أن نتّخذ أولياء فزيدت (من) لتأكيد معنى النفي. والثانية من المتعدي إلى مفعولين، فالأول ما بني له الفعل، والثاني من أولياء، ومن للتّبعيض، أي لا نتّخذ بعض أولياء (٢).

وتبدو قراءة أبي جعفر أوضح في السياق، إذ المطلوب هنا ليس تبرئة المعبودات من عبادة غير الله، بل المطلوب تنزيه المعبود سبحانه من وجود شريك له، ولكن تكلّم النّحويون في هذا الوجه، فقال أبو عمرو البصري، زبان بن العلاء: لو كانت نتخذ لحذفت (من) الثانية، فتقول:


(١) قال ابن الجزري في الطّيبة مشيرا إلى مذهب أبي جعفر في ضم نون نتخذ:
... ... ... ... ... نتخذ أضممن ثروا
انظر إتحاف البررة ٢٤٢، وانظر تقريب النشر لابن الجزري ١٥١.
(٢) الكشاف للزمخشري ٣/ ٨٦.

<<  <   >  >>