للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفة المركبة على المفردة، وهو خلاف الأصل (١)، ولكن هذا الاعتراض لا يسقط اعتماد اختيار نافع للوجه المتواتر المذكور؛ إذ تواتر النقل يدفع كل شبهة، ولكن مع ذلك فإن نظائر هذا في القرآن كثير، فمن ذلك قوله سبحانه في سورة سبأ: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [سبأ: ٣٤/ ٧]، وهي قراءة ابن كثير وحفص ويعقوب، وكذلك قوله سبحانه في الجاثية: لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجائية: ٤٥/ ١١]، وهي قراءة ابن كثير، وحفص، ويعقوب أيضا.

[وثمرة الخلاف:]

أن من الغيبيات التي يلزم المكلّف اعتقادها معرفة اللوح، فاللوح المحفوظ المشهور سجّل كتب الله سبحانه فيه أعمال الخلائق، وأرزاقها، وفيه ما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وما تسقط من ورقة، ولا حبّة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس إلا في كتاب مبين.

قال صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح ذكر كل شيء» (٢).

واللوح مخلوق، والقرآن فيه منذ أن أذن الله عزّ وجلّ أن يكون كلامه القديم في ذلك اللوح، وهذا القيد ضروري حتى لا يلتبس على الناس أن حدوث اللوح يلزم منه حدوث القرآن، فالقرآن في علم الله قديم، وهو كلام الله، وهو صفة قديمة قائمة بذاته سبحانه.

وأما وصف اللوح فلم يرد فيه حديث صحيح (٣)، وغاية ما أورده المفسرون نقول عن بعض السّلف من باب المرسل والمقطوع، وكثير منها إسرائيليات لا يطمئن لها القلب، غاية الأمر أننا نؤمن باللوح على مراد الله، وكما قال الله سبحانه، ونكل تفصيل كل ذلك إلى المولى سبحانه وتعالى.

وتظهر دلالة القراءتين أن اللوح محفوظ، وأن القرآن محفوظ، أفادت المعنى الأول قراءة الجمهور، وأفادت المعنى الثاني قراءة نافع، وكلاها حكم غيبي يجب اعتقاده، دلّت عليه القراءة المتواترة.


(١) انظر الآلوسي في روح المعاني ٣٠/ ٩٤.
(٢) أخرجه الإمام أحمد ٤/ ٤١٣، وسائر رواته ثقات، وهم من رجال البخاري.
(٣) ليس في الكتب السّتة، ولا في مسند أحمد، ولا الدّارمي من ذكر اللوح إلا هذا الحديث الذي أوردناه، وهو كما ترى في ذكر اللوح لا في وصفه.

<<  <   >  >>