للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السادسة:]

قوله تعالى: وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ [غافر: ٤٠/ ٣٧].

قرأ الكوفيون، ويعقوب: وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ بضمّ الصاد. وقرأ الباقون: (وصدّ عن السّبيل) بفتح الصاد (١).

فتكون قراءة الأولين على ما لم يسم فاعله، فكانت الآية إخبارا عن انحرافه وفجوره، وأن ذلك كان بإرادة الله سبحانه، وأمره، وقدره، وذلك مثل قوله سبحانه: وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [التّوبة: ٩/ ٨٧]، وحجتهم أن الكلام هنا أتى عقب الخبر من الله، فلفظ ما لم يسمّ فاعله، وهو قوله: وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ فجرى الكلام بعده بترك تسمية الفاعل ليأتلف الكلام على نظام واحد (٢).

وتكون قراءة الباقين على أساس الفاعل هنا مصرح به، وهو فرعون؛ إذ هو الذي يصدّ عن سبيل الله، ويشهد له قول الله عزّ وجلّ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد: ٤٧/ ١].

[وثمرة الخلاف:]

كما قد رأيت في أنه يجوز نسبة الأفعال إلى العباد على سبيل المجاز، وأن الله سبحانه هو المالك المتصرف الأول والآخر، وهذا الاعتقاد نعمة للمتّقين، وقرّة عين للموحّدين، إذ به لا يقنط العبد من رحمة الله، ويضرع في رجائه أن يصلح عباده إذ هو سبحانه المتصرّف الحقّ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وكذلك فإنه لا يكفّ عن واجب البلاغ، والدعوة لسائر الخلق.


(١) تقريب النّشر في القراءات العشر لابن الجزري ١٢٩. وعبارة طيبة النّشر:
... ... ... واضمم ... صدوا وصد الطول كوف الحضرمي
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة ٦٣٣.

<<  <   >  >>