للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الخامسة:]

قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: ٢/ ١٢٥].

قرأ ابن عامر، ونافع: (واتّخذوا) بفتح الخاء، وقرأ الباقون: وَاتَّخِذُوا بكسر الخاء (١).

فمؤدّى قراءة ابن عامر ونافع الإخبار عن فعل الأولين، فهي محض خبر، وأما قراءة الجمهور فهي في مقام إنشاء الأمر باتّخاذ المقام مصلّى.

وهذه المسألة من موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخرج البخاري عن أنس عن عمر بن الخطاب قال: «وافقت ربّي في ثلاث، ووافقني ربّي في ثلاث، قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، وقلت:

يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، واجتمع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربّه إن طلّقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات ... فنزلت» (٢).

[وثمرة الخلاف:]

أن مقام إبراهيم عليه السلام لم يزل مصلى، فقد اتّخذه بنو إبراهيم بعد أبيهم، وقد أمر الله عزّ وجلّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأمّته بإقرار ذلك وجعله مصلى، وهذا المعنى بجملته لا يفهم من إحدى القراءتين دون الأخرى، ولا بدّ من إعمالهما معا ليتضح ذلك.

وليس لهذا الخلاف ثمرة فقهية ظاهرة، ولكنه أفاد خبرا في أن مقام إبراهيم لم يزل مصلى يتّخذه المتحنفون على ملّته، فجاءت الشريعة بإقرار ذلك ثم الحثّ عليه.

وفيه من الفوائد التربوية أن ليس كل قديم ينبذ، وأن اقتفاء الأبناء هدي آبائهم وتراثهم ليس مذموما على إطلاقه، وأن ركوب أهل الباطل لبعض مراكب الحق لا يشين الحق في ذاته.


(١) سراج القاري لابن القاصح العذري ١٥٧، وعبارة الشاطبي:
... ... ... ... واتخذوا بالفتح عم واوغلا
وانظر حجة القراءات ١١٣.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، فضائل عمر بن الخطاب، وأخرجه كذلك الترمذي، والنّسائي، وابن ماجة، كما أخرجه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في سننه عن أنس.

<<  <   >  >>