للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السادسة:]

قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: ٢/ ٢١٩].

قرأ أبو عمرو البصري: (قل العفو) بالرفع، وقرأ الباقون: قُلِ الْعَفْوَ بالنصب (١).

ومقتضى قراءة البصري أنه جعلها مبتدءا في الكلام، فكان المعنى أن المطلوب في الإنفاق هو العفو.

وجعلها الباقون مفعولا لفعل الأمر: المقدّر، أي: أنفقوا العفو.

والمعنيان متقاربان من جهة الدلالة، متفاوتان من جهة الأسلوب، والعفو نقيض الجهد (٢)، وهو ما ينفقه المرء دون أن يضيّق على نفسه ويقتّر على عياله، والجهد: أن ينفق ما يجهده ويستفرغ وسعه، ومنه قولهم: «خذي العفو مني تستديمي مودّتي» ويقال للأرض السهلة: العفو (٣).

وأما تشريع صدقة العفو فقد رفع وجوبه وبقي استحبابه، وإنما رفع وجوبه بفرض أنصبة الزكاة ومقاديرها، أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل الله: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به، ولا يجد ما يأكل حتى يتصدّق عليه (٤).

وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى- وابدأ بمن تعول» (٥).


(١) تقريب النّشر في القراءات العشر ٩٦. وعبارة طيبة النّشر:
... ... ... ... ... ... العفو محنا
(٢) الكشاف للزمخشري ١/ ٣٦٠.
(٣) المصدر نفسه، وانظر كذلك فتح القدير للشوكاني ١/ ٢٢٢.
(٤) فتح القدير للشوكاني ١/ ٢٢٢.
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم ٩٥ - ٩٧ - ١٠٦.

<<  <   >  >>