للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وثمرة الخلاف:]

أن كلتا القراءتين أفادت النهي عن الرّفث والفسوق، فالأولى على تقدير: لا يكون رفث ولا يكون فسوق في الحج، والثانية على تقدير: لا تقترفوا رفثا ولا فسوقا.

واستقلت الأولى بالنّهي عن الرّفث والفسوق في جميع الأوقات في الحج، واستقلّت الثانية بالنهي عن الرّفث والفسوق بجميع أشكاله، فيكون تعدد القراءات هنا ضروريا لتحقيق المعنيين معا، إذ أفادت الأولى العموم، وأفادت الثانية الإطلاق، والله أعلم.

أخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أحبّ إلى الله من جهاد في سبيله، وحجة مبرورة متقبّلة، لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيها» (١).

قال أبو زرعة: «حجة من فتح أن يقول: إنه أبلغ في المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرّفث والفسوق كما أنه إذا قال: لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس، وإذا رفع ونون فكأن النفي لواحد منه، فالفتح أولى لأن النّفي به أعمّ، والمعنى عليه لأنه لم يرخص في ضرب من الجدال» (٢)، ثم أورد إيضاحا آخر للمعنى الذي دلّت له قراءة النصب فقال: فالفتح جواب قائل: هل من رفث؟ هل من فسوق؟ ف (من) يدخله للعموم و (لا) أيضا تدخل لنفي العموم، وإذا قلت: «هل من رجل في الدار» فجوابه: «لا رجل في الدار» (٣).

وأما الذين قرءوا بالرفع فإنهم لم ينكروا هذه الدلالة، ولكن قالوا: «إنها تعرف من فحوى الخطاب ولو قرأت بالرفع، وقد يكون اللفظ واحدا والمراد جميعا» (٤).

والخلاصة أن القراءتين متكاملتان في الدلالة على المعنى في وجوب نفي الرّفث والفسوق والجدال بشتى أشكاله.

بقي أن نشير إلى معنى الرّفث المنهي عنه، وهو إتيان النساء، وقد صرح بذلك من


(١) أورده السيوطي في الدّر المنثور، ط دار المعرفة ١/ ٢٢٠.
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة ١٢٤.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه.

<<  <   >  >>