للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الرابعة:]

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النّساء: ٤/ ١٩].

وقرأ حمزة، والكسائي: (أن ترثوا كرها) بالضّم. وقرأ الباقون بالنصب. واختلف الناس في الضم والفتح. فقال ابن عباس: «من قرأ (كرها) بالضم أي بمشقة، ومن قرأ: كَرْهاً* بالفتح أي إجبارا أي أجبر عليه، جعل ابن عباس (الكره) فعل الإنسان، و (الكره) ما أكره عليه صاحبه (١) تقول: (كرهت الشيء كرها، وأكرهت على الشيء كرها) قال أبو عمرو: (الكره ما كرهته، والكره ما استكرهت عليه)، ويحتج في ذلك في قول الله جلّ وعزّ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (٢). ونقل القرطبي في الجامع لأحكام القرآن أنهما لغتان، ثم قال: الكره بالفتح الإكراه، والكره بالضم المشقة» (٣).

[وثمرة الخلاف:]

تحريم وراثة النساء كرها أو كرها، فلا يحلّ إجبار الأرملة على نكاح من لا تريد، ولا يحلّ أيضا إلجاؤها إلى ذلك بعضل الزواج عنها، ولو كان ذلك من غير إجبارها على شخص بعينه.

وهو مقتضى ما قرره اللغويون من الفرق بين الكره والكره.

وروى البخاري، وأبو داود، والنّسائي عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوّجوها. فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية (٤).

وأخرج ابن جرير الطبري بسنده عن أبي أمامة، سهل بن حنيف قال: لما توفي أبو قيس بن


(١) فيكون قد جعل الكره اسم معنى، والكره اسم ذات، فتقول الدواء كره وشربه كره.
ونص عبارة ابن عباس كما أوردها السيوطي في الدّر المنثور ٢/ ١٣١: «كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك، أي نهى عن ذلك».
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ط مؤسسة الرسالة ١٩٥. وانظر سراج القاري، ط البابي الحلبي ١٩١. وعبارة الشاطبي:
وضم هنا كرها وعند براءة ... شهاب وفي الأحقاف ثبت معقلا
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط دار الكتاب العربي ٥/ ٩٥.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب التفسير عن ابن عباس، سورة النساء، ومسلم في كتاب التفسير أيضا في سورة النساء، وأبو داود في كتاب النكاح باب ٢٢.

<<  <   >  >>