للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دلالة الآية على مشروعية التماثل في القصاص فيما دون النفس (١)، ولم ينازع في سائر دلالات الآية إلا أبا حنيفة في مسألة واحدة، وهو قياس محض، ذلك أنه قال: إن مقتضى التماثل أن يتحقق التماثل في الأرشين، فلا يقتصّ لامرأة من رجل، ولا لعبد من حرّ، لعدم التساوي في الإرث والأرش والبدلية (٢)، وهو قياس محض أعرض عنه جمهور الفقهاء لأنه قياس في مصادمة النّص.

[وثمرة الخلاف:]

أن الآية العظيمة نص في مشروعية القصاص في عقوبة الجناية على ما دون النفس الإنسانية، وقد أتت الآية على تشريع ذلك بأسلوبين اثنين:

الأول: إيراد الخبر بأن هذا التشريع مكتوب في التوراة، وقد أمر به أهل الكتاب، وهو ما دلّت له قراءة النصب، وفهمه كذلك من قرأ بالرفع وأجرى السياق على أنه عطف بالمعنى.

الثاني: الإخبار بأنه أمر الله على المسلمين، وهو ما دلّت له قراءة الرفع على أساس الاستئناف.

وهكذا فإن ورود التنزيل الإلهي في تشريع هذا الحكم بأسلوبين اثنين مشتمل على زيادة في معنى تشريع هذه العقوبة، وبيان بأنها إرادة المولى سبحانه وتعالى في قصم ظهر الجريمة.

وهذه المعاني محل اتفاق بين الفقهاء من حيث المآل (٣)، وإن اختلفت سبلهم في تأصيل الاستنباط من النّص المذكور.

[المسألة الرابعة:]

قوله تعالى: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النّور: ٢٤/ ٩].

قرأ نافع: (أن) خفيفة، (غضب) بكسر الضاد، وفتح الباء، (الله) فاعل (غضب) فعل ماض.


(١) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي ٦/ ٣٣٩.
(٢) بدائع الصنائع للكاساني ٧/ ٢٩٧.
(٣) نورد هنا مرة أخرى ما نقلناه عن بدائع الصنائع للكاساني ٧/ ٢٩٧، من مذهب الحنفية في اشتراط التماثل في الأرشين لإجراء القصاص على ما دون النفس، وهو ما يحول دون إجراء القصاص بين الرجل والمرأة، وبين الحر والعبد.

<<  <   >  >>