للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة:]

قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران: ٣/ ١٢٠].

قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو: (لا يضركم كيدهم شيئا). وقرأ الباقون: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (١).

وتتجه قراءة الحجازيين، وأبي عمرو إلى أن الأصل: (لا يضيركم)، فاستثقلت الكسرة على الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الضّاد، فصارت (لا يضيركم)، ثم دخل الجزم على الراء، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء، فصارت (لا يضركم) (٢).

وبهذا المعنى فإن لا هنا نافية للضير، وليست نافية للضرر، وهي مشابهة لما ورد في قوله سبحانه على لسان المؤمنين من السحرة من آل فرعون: قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ [الشّعراء: ٢٦/ ٥٠].

وتتجه قراءة الجمهور إلى أن (لا) نافية للضرر، وعندهم أن ورود الضرر في القرآن أكثر من ورود الضير، فالمصير إليه أقرب.

ويرد ثمة سؤال: كيف ساغ أن يأتي المضارع مرفوعا مع أن حقّه الجزم لأنه جواب طلب؟

ويجاب عن ذلك بأن الأصل (لا يضرركم) فلما أرادوا الإدغام سكّنوا الراء، ونقلوا الضمة التي كانت على الضاد، فصارت لا يَضُرُّكُمْ قال أبو زرعة: فهذه الضمة ضمة إتباع (٣).

وقد اختصت هذه الآية بورود المدغم والمظهر في صيغة الفعل ذاته: إِنْ تَمْسَسْكُمْ:

مظهرة غير مدغمة. لا يَضُرُّكُمْ: مدغمة غير مظهرة.

[ثمرة الخلاف:]

جاءت الآية العظيمة في الحثّ على الصبر والتقوى، وهو مقصد قرآني تواترت فيه الإشارات والأوامر الإلهية.


(١) تقريب النشر لابن الجزري ١٠٢. وعبارة الطيبة:
... ... ... ... ... يضركم اكسرا جزم أو صلا
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة ١٧١.
(٣) حجة القراءات لأبي زرعة ١٧١.

<<  <   >  >>