للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووعد المولى سبحانه وتعالى الصابرين بعاقبتين عظيمتين:

الأولى: نفي الضير، وهو المظلمة والأذية.

والثانية: نفي الضرر عنهم (١)، وهو عكس المنافع.

وكما ترى فإن المعاني متكاملة، لا يناقض بعضها بعضا، وتعدد القراءة لها أثر عظيم في تثبيت المؤمن وتقوية عزيمته؛ بعد أن وعده الله سبحانه بكشف الضّر والضّير عنه.

[المسألة الرابعة]

: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النّساء: ٤/ ٩٤].

قرأ المدنيان، وابن عامر، وحمزة، وخلف: (لمن ألقى إليكم السّلم لست مؤمنا). وقرأ الباقون: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (٢).

فتوجه القراءة الأولى بحذف الألف إلى الاستسلام والانقياد؛ قال في اللسان: السلم:

الاستسلام، والتسالم: التصالح، والمسالمة: المصالحة، وقال الخطابي: إنه السّلم بفتح السين، الاستسلام والإذعان والانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع (٣).

وتتوجه قراءة الباقين (السلام) إلى التحية المشروعة، ويكون من دلالتها أن المرء معصوم الدّم إذا ألقى التّحية الإسلامية، حتى يتبين أمره. أي قوله: السلام عليكم، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده (٤).

ولكن خالف في ذلك البخاري بقوله: (السّلم، والسّلام، والسّلم واحد)، مع أنه أورد عبارته هذه في رأس حديث الأعرابي الذي قال: السلام عليكم (٥).


(١) لسان العرب لابن منظور، ط دار صادر ٤/ ٤٩٤، مادة ضير، ومادة ضرر.
(٢) تقريب النّشر في القراءات العشر لابن الجزري ١٠٦. وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ١٩٣. وعبارة الشاطبية:
وعم فتى قصر السلام مؤخرا ... ... ... ...
(٣) لسان العرب لابن منظور ١٢/ ٢٩٣، مادة (سلم).
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/ ٣٢٨.
(٥) الجامع الصحيح للإمام البخاري، كتاب التفسير، باب ١٧، رقم الحديث ٤٥٩١. وانظر فتح الباري ٨/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>