للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثمة طرق أخرى للحديث لا تخرج بمجملها عن هذه الدلالة. ولدى التأليف بين الروايات يظهر لك أن القاتل هو المقداد بن عمرو في رواية، وأسامة بن زيد في رواية، ومحلم بن جثامة في رواية، ولا يضر تعدّد الأسماء فقد تتعدد الأسباب، والنازل واحد.

وكذلك فإن تعدد الروايات في النازل أفادنا مزيدا في التوكيد على حرمة الدماء في الإسلام، والترهيب من استباحتها بغير حقّها.

قال القرطبي: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم لأسامة بن زيد: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا» (١).

أي: تنظر أصادق في قوله أم كاذب، وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه، وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمكان والظواهر، لا على القطع واطّلاع السرائر (٢).

[ثمرة الخلاف:]

إن الله سبحانه جعل استسلام الخصوم وانقيادهم عصمة لدمائهم، إذا انقادوا لحكم المسلمين، وهو ما دلّت عليه قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة.

ويدل على ذلك ما رواه البخاري في الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم» (٣)، فهاهنا يكون السلم بمعنى الإسلام كما اختاره البخاري، أو الاستسلام كما نقلناه عن القرطبي.

ولكن الاستسلام والخضوع، وكذلك الدخول في الإسلام لا يتبين بسهولة ويسر، وقد يراق دم المرء قبل أن يقدم لقاتله الدليل على انقياده أو إسلامه، لذلك فقد تكفلت القراءة الثانية بعصمة دم المرء إذا كان مجهول الحال بمجرد أن يقول: (السلام عليكم)، وهو كما ترى احتراز ضروري، ورحمة إلهية ظاهرة بعباده.


(١) أخبر القرطبي هنا أن الحديث قد أخرجه مسلم، ولم أعثر على الحديث في مسلم، والذي عند مسلم في كتاب التفسير، باب (١١)، حديث رقم ٢١٣٣، نفس رواية البخاري المتقدمة، وليس فيها ذكر القائل، والله أعلم.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/ ٣٣٩.
(٣) وأخرجه أيضا الإمام مسلم في كتاب الإيمان، حديث رقم ٤.

<<  <   >  >>