للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذوي الأنساب أولى به في بعض الأحوال لتأكد سببه، وفي هذا دليل على أن قوله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [الإسراء: ١٧/ ٣٣]، موجب لإثبات القود لسائر ورثته، وأن النساء والرجال في ذلك سواء لتساويهم في كونهم من مستحقي ميراثه، ويدل أيضا على أن الولاية في النّكاح مستحقة بالميراث، وإن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلا بولي» (١) مثبت للولاية لجميع من كان من أهل الميراث على حسب القرب وتأكيد السبب، وأنه جائز للأم تزويج أولادها الصّغار إذا لم يكن أب، على ما يذهب إليه أبو حنيفة إذا كانت من أهل الولاية في الميراث.

وقد كانت الهجرة فرضا حين هاجر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن فتح النّبي صلّى الله عليه وسلّم مكة فقال: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة» (٢)، فنسخ التوارث بالهجرة بسقوط فرض الهجرة، وأثبت التوارث بالنسب بقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: ٨/ ٧٥]، قال الحسن (٣): كان المسلمون يتوارثون بالهجرة حتى كثر المسلمون فأنزل الله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فتوارثوا بالأرحام (٤).

[المسألة الثامنة:]

قوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النّساء: ٤/ ١٣٥].

قرأ حمزة، وابن عامر: (وإن تلوا أو تعرضوا) بضم اللام. وقرأ الباقون: وَإِنْ تَلْوُوا بواوين من (لويت فلانا حقّه ليّا) أي دافعته وماطلته. يقال: لوى فلانا غريمه.

قال أبو عبيدة: يقال: (رجل ليان، وامرأة ليانة) أي: مماطلة. فمعنى تَلْوُوا تدافعوا، وتمطلوا.

وحجتهم في ذلك ما جاء في التفسير: (إن لوى الحاكم في قضيته فإن الله كان بما تعملون


(١) أخرجه أحمد عن عمران بن الحصين مرفوعا، ورواه أحمد وأصحاب السنن أيضا عن أبي موسى الأشعري، وصححه الترمذي وابن حبان بلفظ: «لا نكاح إلا بولي». كشف الخفاء ٢/ ٣٦٩.
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية، وتمامه: «لا هجرة بعد الفتح إنما هو الإيمان والنّية والجهاد، متعة النساء حرام، متعة النساء حرام، متعة النساء حرام»، انظر كنز العمال ١٠/ ٥٠٠.
(٣) هو الحسن البصري، الإمام التابعي المشهور، سبقت ترجمته.
(٤) أحكام القرآن للرازي الجصاص ٣/ ٧٥.

<<  <   >  >>