للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ب) أما إذا كان اللفظ القرآني الذي جاء فيه أكثر من رواية متواترة يتعذر رسمه في الخط محتملا لجميع الوجوه- بدون إعجام- فإنهم كانوا يرسمونه في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة- أو حرف- وفي بعض آخر برسم يدلّ على قراءة أخرى، كقراءة «وصّى» بالتضعيف، و «أوصى» بالهمز، الواردتين في قوله تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [سورة البقرة، الآية ١٣٢].

وغني عن البيان أنهم لم يكونوا يكتبون بالرسمين في مصحف واحد! حتى لا يظن أن الثاني تصحيح للأول- على سبيل المثال- خصوصا إذا كتب أولهما في الأصل، والآخر في الحاشية، أو أن الأول أصل، والثاني فرع أو جائز أو محتمل، فيرجح أحدهما على الآخر بدون مرجح. أو حتى لا يتوهم متوهم أن اللفظ نزل مكررا بالوجهين في قراءة واحدة.

ونقول هنا تعقيبا على هذه الفقرة (ج) بنقطتيها هاتين: إن المصاحف العثمانية التي كتبت على هذا النحو، وأضحت معتمد القرّاء في البلاد التي وجّه إليها عثمان بهذه المصاحف .. كانت وراء اختيارات القرّاء من الأحرف التي نزل عليها القرآن الكريم، أو السبب في التزامهم برسم المصحف الذي وصل إلى مصرهم؛ قال القرطبي: إن عثمان- رضي الله عنه- «وجّه للعراق والشام ومصر بأمهات، فاتخذها قرّاء الأمصار معتمد اختياراتهم، ولم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه. وما وجد بين هؤلاء القرّاء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه؛ إذ كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض؛ إشعارا بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة» (١).

وأخيرا، فإن عثمان- رضي الله عنه- كلّف اللجنة بنسخ عدد من


(١) تفسير القرطبي ١/ ٥٤ وانظر مناهل العرفان ١/ ٢٥٢.

<<  <   >  >>