للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمصاحف. قال الزهري: فبلغني أن ذلك كره من مقالة ابن مسعود: رجال من أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» (١).

قلت: ولعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أن يغضب لعدم مشاركته، أو لعدم استدعائه للمشاركة في هذا العمل التاريخي المشرّف، ولكن ما كان لغضبه أن يصل إلى حد التعريض بزيد بن ثابت الذي كان كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأمر لا يجمل التعريض بمثله؛ علما بأن بعض العلماء يقول: إن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله؛ إذ وعاه كله ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ- ووعاه معه على هذا النحو:

أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وحفصة، وعائشة ... وآخرون- في حين أن ابن مسعود حفظ منه في حياة رسول الله نيّفا وسبعين سورة، ثم تعلّم الباقي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم (٢).

يضاف إلى ذلك أن زيدا- رضي الله عنه- لم يشتهر عنه اختيار قراءة بعينها- أو الانحياز لها- كما فعل ابن مسعود، علما بأن الأمر الآن أو في هذه المرحلة: أمر تقعيد الأحرف، وحسم الاختلاف في القراءة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمل اللجنة نسخ أو استنساخ، وليست جمعا جديدا للقرآن، كما قد توهم بعض الروايات الضعيفة! (٣) ومعنى ذلك أن الدواعي لتكليف ابن مسعود في هذا العمل، أو لانتظار حضوره من الكوفة إلى المدينة .. لم تكن قائمة! قال الحافظ ابن حجر: «والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة، وعبد الله بن مسعود بالكوفة. ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر. وأيضا فإن عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر .. وكان الذي


(١) جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري ٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧ والمصاحف ص ١٤. ومعنى: غلّوها: اكتموها واخفوها، وأصله من الغلّ بمعنى الخيانة.
(٢) انظر تفصيلا لهذه النقطة التي ذكرها ابن الأنباري، في تفسير القرطبي ١/ ٥٣.
(٣) راجع المرشد الوجيز لأبي شامة، ص ٦٥ فما بعدها.

<<  <   >  >>