للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسروقة من القرآن نفسه، وبين أناقة الأسلوب القرآني وتناسقه!! ومن هنا فإن مثل هذه المزاعم لم توجد إلا بعد مضي بضعة قرون على عصر نزول القرآن الكريم. حين بعد الناس عن سليقة اللغة وأسباب البيان بوجه عام. ولم تجد مثل هذه المزاعم رواجا إلا عند نفر من الأعاجم بوجه خاص، وبعد أن قاوموا- لأسباب إثنية وعقائدية- عوامل الاستعراب في القرنين الرابع والخامس الهجريين.

وقد فات أصحاب هذه المزاعم أن سيّدنا عليا لا يرضى بهذا الاختلاق- وحاشاه من ذلك- بل أرادوا الطعن في نهاية المطاف بعلي بن أبي طالب نفسه- كرّم الله وجهه ورضي الله عنه-، وأرادوا مخالفته ومناقضته ومناقضة الإسلام والقرآن جميعا ... روى أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة قال:

«سمعت علي بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- يقول: يا معشر الناس اتقوا الله وإياكم والغلوّ في عثمان وقولكم حرّاق مصاحف! فو الله ما حرقها إلا عن ملأ منّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم». وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل ما فعل» (١).

ومعنى ذلك أن الدواعي لفعل عثمان ذي النّورين رضي الله عنه كانت قائمة، وأن ما فعله لم يتم في الخفاء، ولكن بعلم الصحابة ومشورتهم، ولو كان علي يعلم أن في شيء من ذلك إسقاطا أو تجاوزا لما تجاوز هو عنه! ... ولئن جاز عليه- وحاشاه من ذلك- أن يتجاوزه وهو في صف المعارضة، كما تصوّره بعض الروايات، فإن من غير الجائز أن يشتغل وهو خليفة لمدة تقرب من ست سنوات بمقاتلة من خالفوه في السياسة عن تصحيح القرآن ومقاتلة الذين رضوا بتحريفه وتبديله! بل إنه كان يتلوه على هذا الوجه ويؤمّ الناس فيه بالصلاة. وصدق الله


(١) انظر البرهان للزركشي ١/ ٢٤٠ ومقدمتان في علوم القرآن ص ٤٦، وتفسير القرطبي ١/ ٥٣، ومناهل العرفان ١/ ١٥٥.

<<  <   >  >>