للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودلت كذلك على أن هذا الباب من أبواب الفقه لا يشترط في تحصيله المشاركة العملية فيه من قبل الجميع؛ إشارة إلى أن الأمر ليس كذلك في سائر أبواب الفقه في الدين: عقيدة وشريعة، والله أعلم: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً! ...

وليس من شك- ولا ندخل هنا في الشرح والتفصيل كما قلنا- في أن الفرق كان بعيدا جدا بين طريقة تلقي الصحابة- رضوان الله عليهم- لمثل قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [سورة الأنفال، الآية ١٧] وتفسيرهم له، وتعاملهم معه- وهم يعلمون دورهم ودور النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإعداد والرمي- وبين طريقة المفسرين من أصحاب المذاهب الكلامية في تناول هذه الآية، أو تفسيرهم لقوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [سورة الإنسان، الآية ٣٠]. أو لقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [سورة الرعد، الآية ١١]. فنحن هنا- كما قلت- نواجه مشكلة الركود النظري الذي قد يكون مخلّا بالمدلول الدقيق لهذه النصوص، ونواجه تبعا لذلك مشكلة عدم وضع هذا المدلول في مكانه الحقيقي بين الآيات الأخرى التي تواردت على الموضوع ذاته، وعالجته من زواياه الأخرى المختلفة: العملية والنظرية، والتي رسمت صورته الواحدة في القرآن الكريم. وربما أمكننا القول باختصار: إن التلقّي للتنفيذ، أو الصعيد العملي التطبيقي، مراعى فيه البعد الزمني لنزول القرآن الكريم، هو السبب في عدم نشوء هاتين المشكلتين جميعا عند الصحابة والتابعين على وجه العموم.

ولهذا، فإننا نقول الآن بتقديم أي تفسير لهذه الآيات القرآنية الكريمة، أو للقرآن الكريم على وجه العموم ينجح معه المفسّر في وضع هذه الآيات في موضعها الصحيح الذي ينفي وقوع الإشكال، ويغنينا- تبعا لذلك- عن اللجوء إلى التأويل، كما ينجح في رسم صورة الوحدة الموضوعية للمسألة الواحدة،

<<  <   >  >>