للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخدش والتأثير-! نحب أن نؤكد ذلك بالإشارة إلى طريقته التي كان يفسّر بها القرآن الكريم، والتي كانت تقوم على مرحلتين: الأولى: قراءته للسورة القرآنية كاملة عدة مرات، وربما عاود قراءتها والنظر فيها يوما بعد يوم، حتى يهتدي- رحمه الله- إلى موضوعها الرئيس، ومحورها العام الذي تدور حوله آياتها، وسائر موضوعاتها الفرعية الأخرى .. حتى إذا اهتدى إلى ذلك، وفتح الله تعالى عليه به عكف على تفسيرها بأقل قدر ممكن من الجلسات، ولو أمكنه أن يفعل ذلك في مقام واحد لفعل .. ويتبع في تفسيره بطبيعة الحال ما تهديه إليه ثقافته وفهمه وشفافية روحه وحسه اللطيف المرهف ... إلى آخر العناصر الأخرى التي أشرنا إليها في موضع سابق من هذا الفصل، ونؤكد هنا على معرفة سيد قطب- رحمه الله- الواسعة باللغة والأدب، والبلاغة والنقد .. بل نبوغه وعبقريته في هذا الباب الأخير، وأعني باب النقد الذي احتل فيه سيد في هذا العصر مقعد الإمامة والتوجيه .. ذوقا وعلما وقدرة فائقة على تحليل النصوص! ولعل المولى سبحانه وتعالى قد ادخر ذلك كله لسيد حتى يكشف عن الكثير المخبوء من نظم السور وإعجاز القرآن.

حتى إذا فرغ من تفسيرها جاءت المرحلة الثانية، وهي النظر في كتب التفسير؛ يستدرك بها سببا من أسباب النزول، أو يوضح من خلالها مسألة من مسائل الفقه، أو يستشهد منها بحديث أو رواية صحيحة وردت في تفسير بعض الآيات- وربما مال إلى ترجيح رواية على أخرى مساوية أو مقاربة لها في درجة الصحة من خلال آفاق النص ونظمه، أو لارتباطه الأوثق ببعض مواقف السيرة وحياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما لاحظنا. ولست هنا في معرض ذكر الأمثلة والشواهد.

وتكفي هذه النقطة أو المرحلة الثانية للدلالة على حرص سيد- رحمه الله- على عدم التأثر المسبق بأي لون من ألوان التفسير والتأويل، من جهة، كما تكفي للدلالة على

حرصه في الوقت ذاته على عدم الخروج عن الروايات الصحيحة في

<<  <   >  >>