للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد مرت البشرية- كما يلاحظ الكثيرون من مؤرخي الحضارات، وكما أكّده المفكر الجزائري الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله- بأكبر تجربتين حضاريتين في التاريخ: التجربة الرومانية، والتجربة الإسلامية. وقد كانت الحضارة الأولى متجلية بالروح الإمبراطورية التي تقسم الإنسان أو الناس إلى مواطن روماني يتمتع بكامل الحقوق، وإلى غير مواطن مسلوب من جميع الحقوق وعلى هذا الأساس حكمت وقنّنت وعالجت ومنحت، وهي وإن أخفقت في معالجة مشكلات الإنسان قديما، فقد أتيح لها أن تبدو في صورة جديدة تتمثل في الحضارة الغربية المعاصرة التي أخذت من تلك الحضارة الرومانية روحها الاستعمارية، وتشرّبت مبادئها، وكثيرا من نظراتها الجوهرية؛ بعد أن تخطّت الحضارة الإسلامية التي جاءت في أعقاب الحضارة الرومانية وزاحمتها، وأزاحتها عن مقعد السيادة على مسرح التاريخ!

وتهمنا هنا الإشارة إلى أن الروح الاستعمارية في هذه الحضارة الأوروبية مساوية للروح الإمبراطورية التي عاشت عليها الحضارة الرومانية القديمة. في حين أن روح الحضارة الإسلامية، أو المبرر الذي عاشت عليه هذه الحضارة يتمثل في روح المساواة التي جاء بها القرآن الكريم ونطق بها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأكدها في آخر خطبه الجامعة في حجة الوداع « ... كلكم لآدم وآدم من تراب ... لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أبيض فضل إلّا بالتقوى».

يضاف إلى ذلك أن النظرة إلى الوجود المتمثلة في مبدأ الإيمان بالله الواحد القهار- وما يتبع ذلك وينبني عليه من النظر إلى الكون والحياة والإنسان- هي التي أعطت للحضارة الإسلامية طابعها الخاص، وجعلتها- من قبل- قادرة على أن تهضم وتتمثل- ولا تذوب بالطبع- في تيار العقائد والمذاهب التي كانت سائدة في «بيئة» الحضارة الإسلامية. وهي البيئة التي شهدت في الواقع أعرق الحضارات القديمة في بلاد الشام والرافدين ووادي النيل وبلاد فارس ...

ولا مجال هنا للإفاضة في هذه الجوانب المتشعبة من البحث، ولكن نكتفي

<<  <   >  >>