للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعاينوه على سنن الاجتماع الإنساني في المنشط والمكره، والعسر واليسر، والهزيمة والنصر ... لا ليعلّمهم ويدرّبهم على تغيير الواقع الفاسد أو المغلوط، باتجاه (الواقع) المطلوب أو المرغوب فيه فحسب، بل ليدرّبهم فوق ذلك على أن الواقع المؤلم أو المكروه والذي أفرزه مبدأ صائب أو الذي جاء في أعقابه وانبنى عليه، لا يجوز له أن يشكل مبررا لتجاوز المبدأ أو للعودة عليه بالتحوير والتبديل! كما حصل يوم أحد على سبيل المثال؛ لقد نزل في هذا اليوم آيات كثيرة كما هو معلوم، منها- في هذا الجانب الثاني وحده- قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) [سورة آل عمران، الآية ٣].

فقد أمرت هذه الآية الكريمة النبيّ صلى الله عليه وسلم بالتزام مبدأ الشورى على الرغم من أن الهزيمة جاءت في أعقاب شورى النبيّ لأصحابه، وبسبب غير مباشر منها (١)! ولكن هذه الهزيمة لا يجوز لها أن تبرر تجاوز هذا المبدأ أو هذا التشريع، أو الانتقاص منه، فضلا عن تكريس نقيضه!! بحجة (الواقع) الذي أفرزه أو انبنى عليه.

والعجيب بعد هذا أن يتوهم بعض الدارسين أن (الوحي) كان استجابة (للواقع)!! اعتمادا على أن بعض آيات التشريع أو الأحكام جاءت بسبب نزول معين. وعلى الرغم من أننا سوف نتناول الرد على هذا الزعم في مبحث سبب النزول؛ فإن حديثنا قبل قليل عن «التربية من خلال الواقع» - الحكمة الرابعة السابقة من حكم تنجيم القرآن- قد يكون مشمولا بهذا الوهم أو الزعم؛ الأمر الذي يفرض علينا إيجاز القول في نقضه هنا ببعض النقاط:

١ - إن معظم آيات القرآن الكريم نزلت ابتداء، أي بدون سبب نزول خاص أو معين. ويدخل في ذلك الجانب الاعتقادي كله، أو آيات الإيمان


(١) انظر «في ظلال القرآن» للأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى، ص ٥٣٢ - ٥٣٣ (المجلد الأول) الطبعة الرابعة، دار الشروق ١٩٧٧.

<<  <   >  >>