للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ الأصل بقاء الليل حتى يتبين دخول الفجر, وضد التبين: الشك والظن، ومن القواعد الفقهية المقررة أن اليقين لا يزول بالشك، فما دمنا لم نتبين الفجر، فلنا أن نأكل ونشرب.

١ - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: ٢٨٦]

وجه الدلالة:

أن من أكل أو شرب جاهلاً بدخول وقت الفجر فهو مخطئ، والخطأ معفوٌّ عنه.

ثانياً: من السنة:

حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حيث قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (١). ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، وإذا كان هذا في آخر النهار فأوله من باب أولى؛ لأن أوله مأذون له بالأكل والشرب فيه حتى يتبين له الفجر (٢).

القول الثاني: عليه القضاء، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (٣) والمالكية (٤) والشافعية (٥) والحنابلة (٦).

الدليل:

قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: ١٨٧]

وتبيُّنُ طلوع الفجر قد حصل في هذه الحالة، فلزمه القضاء (٧).

المسألة الثالثة: حكم تناول السحور أثناء الأذان

- إن كان المؤذن ثقة لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر، وجب الإمساك بمجرد سماع أذانه.

- وإن كان المؤذن يؤذِّن قبل طلوع الفجر لم يجب الإمساك وجاز الأكل والشرب حتى يتبين الفجر، كما لو عرف أن المؤذن يتعمد تقديم الأذان قبل الوقت، أو كأن يكون في برية ويمكنه مشاهدة الفجر، فإنه لا يلزمه الإمساك إذا لم يطلع الفجر، ولو سمع الأذان.

- وإن كان لا يعلم حال المؤذن، هل أذَّن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإنه يمسك أيضاً فإن الأصل أن المؤذن لا يؤذِّن إلا إذا دخل الوقت، وهذا أضبط في الفتوى وعليه عمل الناس.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: ١٨٧]

وجه الدلالة:


(١) رواه البخاري (١٩٥٩).
(٢) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٣٣٣ - ٣٩٤).
(٣) ((الهداية للمرغيناني)) (١/ ١٢٩)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (١/ ٣٢٢).
(٤) ((المدونة الكبرى)) (١/ ٢٦٦)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (٢/ ٧٠٤).
(٥) قال النووي: (ولو أكل ظانًّا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظانًّا أن الفجر لم يطلع فبان طالعاً صار مفطراً هذا هو الصحيح الذى نص عليه الشافعي، وقطع به المصنف والجمهور) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣١٣).
(٦) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٣١٠) قال أبو داود: قلت لأحمد: (إذا تسحر وهو يرى أن عليه ليلاً وقد أصبح؟ قال: يقضي) ((مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني)) (ص ٩٣).
(٧) قال البابرتي الحنفي: (أما فساد صومه فلانتفاء ركنه بغلط يمكن الاحتراز عنه في الجملة بخلاف النسيان. وأما إمساك البقية فلقضاء حق الوقت بالقدر الممكن .. ، آنفا أو لنفي التهمة، فإنه إذا أكل ولا عذر به اتهمه الناس بالفسق، والتحرز عن مواضع التهم واجب. وأما القضاء فلأنه حق مضمون بالمثل شرعا فإذا فوته قضاه كالمريض والمسافر. وأما عدم الكفارة فلأن الجناية قاصرة لعدم القصد) ((العناية شرح الهداية للبابرتي)) (٢/ ٣٧٢)، ((الهداية للمرغناني)) (١/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>