للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الحساب الفلكي]

لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه في إثبات دخول رمضان (١).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (٢)

٢ - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)). أخرجه البخاري ومسلم (٣)

أوجه الدلالة:

١ - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلَّقاً على الرؤية وحدها؛ فهي الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس، فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، أخرجه البخاري ومسلم (٤).

٢ - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا كان هناك غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء الفلك، وقد جرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولو كان قولهم هو الأصل وحده، أو أصلاً آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك، فلما لم يُنقَل ذلك، بل نُقِلَ ما يخالفه، دل على أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة.

٣ - الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصرية لا علمية.

٤ - كما أن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم.

ثانياً: الإجماع:

أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع الجصاص (٥)، وابن رشد (٦)، والقرطبي (٧) وابن تيمية (٨). (٩)


(١) تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس من العامة والخاصة في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب، ودعوى زوال وصف الأمية بعلم النجوم عن الأمة غير مسلَّم.
(٢) رواه البخاري (١٩٠٩)، ومسلم (١٠٨١).
(٣) رواه البخاري (١٩٠٦)، ومسلم (١٠٨٠).
(٤) رواه البخاري (١٩١٣)، ومسلم (١٠٨٠).
(٥) قال الجصاص: (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارجٌ عن حكم الشريعة وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه لدلالة الكتاب ونص السنة وإجماع الفقهاء بخلافه) ((أحكام القرآن)) (١/ ٢٥٠).
(٦) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (١/ ٢٨٣ - ٢٨٤).
(٧) قال القرطبي: (وهذا لا نعلم أحداً قال به – أي: الأخذ بالحساب وتقدير المنازل- إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٢/ ٢٩٣).
(٨) قال ابن تيمية: (نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ١٣٢). وقال أيضاً: (ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصًّا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ١٣٢ - ١٣٣).
(٩) قال ابن باز: (ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>