للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

لا يُحكم بفساد صوم من ارتكب شيئاً من المفطرات إلا بشروطٍ ثلاثة:

الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح (١).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

١ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: ٢٨٦] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (٢)

٢ - قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:٥]

ثانياً: من السنة:

١ - عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه ((أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:١٨٧] جعل تحت وسادته عقالين أبيض وأسود، وجعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود، أمسك، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بما صنع، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل)). أخرجه البخاري ومسلم (٣)

ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقضاء؛ لأنه كان غير عالمٍ بالحكم، حيث فهم الآية على غير المراد بها.

٢ - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم غيم، ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (٤)

ولم يُنقَل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالقضاء.

الثاني: أن يكون ذاكرا، والذكر ضده النسيان، فمن تناول شيئاً من المفطرات ناسياً فصيامه صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم (٥)، لكن متى تَذكَّر، أو ذُكِّر وجب عليه الإمساك.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

١ - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:٢٨٦]


(١) قال النووي: (إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع جاهلاً بتحريمه فإن كان قريب عهد بإسلامٍ أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ بحيث يخفى عليه كون هذا مفطرا لم يفطر؛ لأنه لا يأثم فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص. وإن كان مخالطا للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر؛ لأنه مقصر) ((المجموع)) (٦/ ٣٣٥). وانظر ((الموسوعة الكويتية)) (٢٨/ ٤٤).
(٢) رواه مسلم (١٢٦).
(٣) رواه البخاري (١٩١٦)، ومسلم (١٠٩٠).
(٤) رواه البخاري (١٩٥٩).
(٥) قال النووي: (مذهبنا أنه لا يفطر بشيء من المنافيات ناسياً للصوم، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب قضاؤه في الجماع ناسياً دون الأكل. وقال ربيعة ومالك: يفسد صوم الناسي في جميع ذلك وعليه القضاء دون الكفارة. وقال أحمد: يجب بالجماع ناسيا القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل) ((المجموع)) (٦/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>