للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: الجنون والإغماء]

الفرع الأول: حكم صوم من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس

من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه يبطل (١)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (٢)، والشافعية (٣)، والحنابلة (٤).

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة ... ) وذكر منهم: ((المجنون حتى يفيق)) (٥)

الفرع الثاني: حكم القضاء على المجنون

لا يلزم المجنون القضاء (٦) عند الشافعية (٧)، والحنابلة (٨)، واختاره ابن حزم (٩)، والألباني (١٠).

الدليل:

أن المجنون رفع عنه التكليف؛ لحديث ((رفع القلم عن ثلاثة)) وذكر منهم ((المجنون حتى يفيق)) (١١). وما لم يُكلَّف به لا يجب عليه أداؤه ولا قضاؤه.

الفرع الثالث: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس

من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه لا يصح (١٢)، ويلزمه القضاء (١٣)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (١٤)، والشافعية (١٥)، والحنابلة (١٦).

الدليل:

قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:١٨٤]

والإغماء مرض.

الفرع الرابع: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار

من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار ولو جزءاً منه، فإن صومه صحيح، وهو المذهب عند الشافعية (١٧)، والحنابلة (١٨)، وقولٌ للمالكية (١٩)؛ وذلك لأنه قصد الإمساك في جزءٍ من النهار فصح صومه كما لو نام بقية يومه.

الفرع الخامس: حكم من نام جميع النهار

من نام جميع النهار، فصومه صحيحٌ عند عامة أهل العلم (٢٠)؛ وذلك لأنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية؛ ولأنه إذا نُبِّه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ.


(١) وذلك لأن من شروط وجوب العبادة وصحتها العقل، والمجنون لا عقل له.
(٢) ((الشرح الكبير للدردير)) (١/ ٥٢٢).
(٣) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٥١).
(٤) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٧).
(٥) رواه أبو داود (٤٤٠١)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٤/ ٣٢٣) (٧٣٤٣)، وابن حبان (١/ ٣٥٦) (١٤٣)، والحاكم (١/ ٣٨٩). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (٢٢٥)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (٩/ ٢٠٦)، والنووي في ((المجموع)) (٦/ ٢٥٣) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٤٠٣).
(٦) وذلك لأنه صومٌ فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب قضاؤه، كما لو فات في حال الصغر.
(٧) قال النووي: (فإن أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في حال الجنون) ((المجموع)) (٦/ ٢٥١).
(٨) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٨).
(٩) ((المحلى)) (٦/ ٢٢٦).
(١٠) قال الألباني: (ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر، وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في ((المجموع)) وهو مذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام) ((الثمر المستطاب)) (١/ ٥٤).
(١١) رواه أبو داود (٤٤٠١)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٤/ ٣٢٣) (٧٣٤٣)، وابن حبان (١/ ٣٥٦) (١٤٣)، والحاكم (١/ ٣٨٩). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (ص: ٢٢٥)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (٩/ ٢٠٦)، والنووي في ((المجموع)) (٦/ ٢٥٣) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٤٠٣).
(١٢) وذلك لأن الصوم عبارةٌ عن الإمساك مع النية ولم يوجد الإمساك المضاف إليه النية كما دل عليه قوله في الحديث القدسي (يترك طعامه وشرابه من أجلي) فلم تعتبر النية منفردة عنه.
(١٣) وذلك لأن المغمى عليه لم يزل عنه التكليف؛ لأن مدة الإغماء لا تتطاول غالبا فلم يسقط عنه القضاء.
(١٤) ((المدونة)) (١/ ٢٧٦)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (١/ ٣٤٠)، ((الشرح الكبير للدردير)) (١/ ٥٢٢)، ((حاشية الدسوقي)) (١/ ٥٢٢).
(١٥) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٥٥)، ((الحاوي الكبيرللمرداوي)) (٣/ ٤٤١).
(١٦) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ١١)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٧)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (٢/ ٣١٤).
(١٧) ((الحاوي الكبير للمرداوي)) (٣/ ٤٤١) ((روضة الطالبين للنووي)) ٢/ ٣٦٦.
(١٨) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٧)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (٣/ ٢١)
(١٩) ((الكافي لابن عبدالبر)) (١/ ٣٤٠)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (٢/ ٧٢٣).
(٢٠) قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً، وخالف في ذلك الإصطخري الشافعي) ((الشرح الكبير)) (٣/ ٢٢)، وانظر ((الفروع لابن مفلح)) (٤/ ٤٣٥)، و ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>