للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثامن: الحجامة]

الفرع الأول: حكم الحجامة للصائم

من احتجم وهو صائم، فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها:

القول الأول: أن صومه لا يفسد، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (١)، والمالكية (٢)، والشافعية (٣).

الأدلة:

١ - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (٤)

٢ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئِل: ((هل كنتم تكرهون الحجامة؟ فقال: لا، إلا من أجل الضعف)). أخرجه البخاري ومسلم (٥)

والأحوط أن تؤجَّل الحجامة إلى الليل خروجاً من خلاف جماعة من أهل العلم (٦).

القول الثاني: أنها تفسد صومه (٧)، وهو من مفردات مذهب الحنابلة (٨)، وبه قال ابن تيمية (٩)، وابن باز (١٠)، وابن عثيمين (١١).

الدليل:


(١) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ١٠٧)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣٣٠).
(٢) ((المدونة)) (١/ ٢٧٠)، التاج والإكليل للمواق (٢/ ٤٤١). قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري ... وقال أبو ثور: أحبُّ إلي أن لا يحتجم أحدٌ صائماً، فإن فعل لم يفطر، وهو باقٍ على صومه) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (١٠/ ١٢٩).
(٣) ((الأم للشافعي)) (٢/ ١٠٦)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٤٩).
(٤) رواه البخاري (١٩٣٨) واللفظ له، ومسلم (١٢٠٢).
(٥) رواه البخاري (١٩٤٠).
(٦) قال ابن تيمية: (وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان منهم من لا يحتجم إلا بالليل) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢٥٢). قال ابن قدامة: (وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلاً في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس بن مالك ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة والحسين بن علي وعروة وسعيد بن جبير) ((الشرح الكبير)) (٣/ ٤٠).
(٧) وذلك لأنه يحصل بالحجامة ضعفٌ شديد، يحتاج معه الصائم إلى تغذية. وقال ابن تيمية: (وأما من تدبر أصول الشرع ومقاصده فإنه رأى الشارع لما أمر بالصوم أمر فيه بالاعتدال حتى كره الوصال، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود، وكان من العدل أن لا يخرج من الإنسان ما هو قيام قوته، فالقيء يخرج الغذاء والاستمناء يخرج المني والحيض يخرج الدم وبهذه الأمور قوام البدن لكن فرق بين ما يمكن الاحتراز منه وما لا يمكن، فالاحتلام لا يمكن الاحتراز منه وكذلك من ذرعه القيء وكذا دم الاستحاضة فإنه ليس له وقت معين، بخلاف دم الحيض فإن له وقتا معينا فالمحتجم أخرج دمه وكذلك المفتصد بخلاف من خرج دمه بغير اختياره كالمجروح فإن هذا لا يمكن الاحتراز منه فكانت الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض، وكان خروج دم الجرح من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء، فقد تناسبت الشريعة وتشابهت ولم تخرج عن القياس) ((مجموع الفتاوى)) (٢٠/ ٥٢٨).
(٨) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢١٤)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (٣/ ٤٠).
(٩) قال ابن تيمية: (والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وأهلُ الحديث الفقهاءُ فيه العاملون به أخصُّ الناس باتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢٥٢).
(١٠) قال ابن باز: (لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة، وفيها خلافٌ بين العلماء لكن الصحيح أنه يفطر بذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٢٧١).
(١١) قال ابن عثيمين: (إذا احتجم الصائم وظهر منه الدم فإنه يفطر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٠/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>