للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: زمان الاعتكاف]

يجوز الاعتكاف في رمضان وفي غيره، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على هذا (١)، إلا أنه يُستحَبُّ في العشر الأواخر من رمضان، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (٢)، والمالكية (٣)، والشافعية (٤)، والحنابلة (٥)

الأدلة:

١ - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (٦)

وفيه استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

٢ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)). أخرجه البخاري (٧)

وفيه جواز الاعتكاف في العشر وفي غير العشر.

٣ - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (٨)

وفيه أن الاعتكاف يكون في رمضان وفي غيره.


(١) قال ابن عبدالبر: (الاعتكاف في غير رمضان جائزٌ كما هو في رمضان، وهذا ما لا خلاف فيه) ((التمهيد)) (١١/ ١٩٩). قال الجصاص: (تحديد مدة الاعتكاف لا يصح إلا بتوقيفٍ أو اتفاقٍ، وهما معدومان، فالموجب لتحديده متحكمٌ قائلٌ بغير دلالةٍ، فإن قيل تحديد العشرة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وروي أنه اعتكف العشر الأواخر من شوال في بعض السنين، ولم يرو أنه اعتكف أقل من ذلك، قيل له: لم يختلف الفقهاء إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف ليس على الوجوب وأنه غير موجبٍ على أحدٍ اعتكافاً، فإذا لم يكن فعله للاعتكاف على الوجوب فتحديد العشرة أولى أن لا يثبت بفعله، ومع ذلك فإنه لم ينف عن غيره فنحن نقول: أن اعتكاف العشرة جائزٌ ونفي ما دونها يحتاج إلى دليلٍ، وقد أطلق الله تعالى ذكر الاعتكاف فقال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ *البقرة: ١٨٧* ولم يحده بوقتٍ ولم يقدره بمدةٍ فهو على إطلاقه، وغير جائزٍ تخصيصه بغير دلالةٍ والله أعلم) ((أحكام القرآن)) (١/ ٣٠٤ - ٣٠٥). وقال ابن حزم: (الاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عددٍ ولا وقتاً من وقتٍ، ومدعي ذلك مخطئٌ لأنه قائلٌ بلا برهان) ((المحلى)) (٥/ ١٧٩). وقال الشوكاني: (صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه اعتكف في غير رمضان) ((السيل الجرار)) (ص ٢٩٢). وقال أيضا: (شرع في كل وقتٍ في المساجد وهو في رمضان آكد، سيَّما في العشر) ((الدراري المضية)) (٢/ ١٨٢). وقال ابن باز: (وهو مشروعٌ في رمضان وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٤٣٨). وقال ابن عثيمين: (لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً .. لكن لا يُؤمر الإنسان ولا يُطلب منه أن يعتكف في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٠/ ١٦٠).
(٢) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (١/ ٣٤٨)، ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٤٤٢).
(٣) ((الكافي لابن عبدالبر)) (١/ ٣٥٢)، ((الشرح الكبير للدردير)) (١/ ٥٤٢،٥٥٠).
(٤) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٤٧٥)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (١/ ٤٤٩). قال الشربيني: (وهو مستحبٌّ كل وقتٍ في رمضان وغيره بالإجماع ولإطلاق الأدلة).
(٥) ((الفروع لابن مفلح)) (٥/ ١٣٢)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (٢/ ٣٤٨).
(٦) رواه البخاري (٢٠٢٦)، ومسلم (١١٧٢).
(٧) رواه البخاري (٢٠٤٤).
(٨) رواه البخاري (٢٠٤٥)، ومسلم (١١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>