للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: اشتراط الصوم للاعتكاف]

يصح الاعتكاف من غير صومٍ (١)، وهو قول الشافعية (٢)، والمشهور عند الحنابلة (٣)، وقول طائفةٍ من السلف (٤)، وهو ما ذهب إليه ابن حزم (٥)، والنووي (٦)، وابن دقيق العيد (٧)، وابن حجر (٨)، وابن باز (٩)، وابن عثيمين (١٠)

الأدلة:

١ - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (١١)

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعمر رضي الله عنه بالاعتكاف ليلاً، ومعلومٌ أن الليل لا صوم فيه (١٢)، فلو كان الصوم شرطاً في صحة الاعتكاف، لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه.

٢ - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. وإنه أمر بخبائه فضرب. أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبر تردن؟ فأمر بخبائه فقوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (١٣)

ففيه دليلٌ على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام (١٤)

كما أن إيجاب الصوم حكمٌ لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نصٌّ ولا إجماع (١٥)


(١) وذلك لأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط للواحدة وجود الأخرى.
(٢) ((الأم للشافعي)) (٢/ ١١٨)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٨٦). قال الماوردي: (فأما الصوم فغير واجبٍ فيه بل إن اعتكف مفطراً جاز).
(٣) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٦٤)، ((الفروع لابن مفلح)) (٥/ ١٤٥). قال ابن قدامة: (المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صومٍ).
(٤) قال ابن عبدالبر: (وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وابن علية الاعتكاف جائزٌ بغير صومٍ، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبدالعزيز) ((التمهيد)) (١١/ ٢٠٠)، وانظر ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٦٤).
(٥) قال ابن حزم: (من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا وكذلك هو فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوي به الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح أنه جائز بلا صوم وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه .. وأيضا فإن الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار ولا صوم بالليل فصح أن الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم) ((المحلى)) (٥/ ١٨٦).
(٦) قال النووي: (ويجوز بغير صوم) ((المجموع)) (٦/ ٤٨٥).
(٧) قال ابن دقيق العيد: (الصوم ليس بشرطٍ) ((إحكام الأحكام)) (ص٢٩٥).
(٨) ((فتح الباري)) (٤/ ٢٧٤).
(٩) قال ابن باز: (ولا يشترط أن يكون معه صومٌ على الصحيح فلو اعتكف الرجل أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٤٤١). وقال أيضاً: (ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٤٤٢).
(١٠) قال ابن عثيمين: (القول الثاني: أنه لا يشترط له الصوم .. وهذا القول هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٥٠٧).
(١١) رواه البخاري (٢٠٣٢)، ومسلم (١٦٥٦).
(١٢) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (١١/ ٢٠٠).
(١٣) رواه البخاري (٢٠٤٥)، ومسلم (١١٧٣) واللفظ له.
(١٤) ((فتح الباري لابن حجر)) (٤/ ٢٧٦).
(١٥) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>