للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: حكم الصمت عن الكلام مطلقاً

يحرم الصمت على المعتكف إن فعله قربةً وتديناً، ونص على ذلك فقهاء الحنفية (١)، والحنابلة (٢)، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على بدعيَّة ذلك (٣).

الأدلة:

١ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)). أخرجه البخاري (٤)

وجه الدلالة:

أمرُهُ صلى الله عليه وسلم للرجل أن يتكلم مع أنه نذر الصمت، فتركُ الصمت لمن لم ينذره من باب أولى.

٢ - عن قيس بن أبي حازم قال: ((دخل أبو بكر على امرأةٍ من أحمس يقال لها: زينب. فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت ... )). أخرجه البخاري (٥)


(١) ((المبسوط للشيباني)) (٢/ ٢٧٧)، ((الهداية للمرغيناني)) (١/ ١٣٣).
(٢) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٧٦)، ((الفروع لابن مفلح)) (٥/ ١٨٨). قال ابن قدامة: (وليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه).
(٣) قال ابن تيمية: (وأما الصمت عن الكلام مطلقاً في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعةٌ مكروهةٌ باتفاق أهل العلم) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢٩٢). وقال ابن تيمية أيضا: ( .. فمن فعلها – يعني بذلك بعض الأعمال كالصمت - على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضالٌّ جاهلٌّ مخالفٌ لأمر الله ورسوله، ومعلومٌ أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافاً ونحو ذلك إنما يفعله تديناً ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرامٌ؛ فإنه يعتقد ما ليس بقربةٍ قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله، وهذا حرامٌ، لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذوراً بجهله إذا لم تقم عليه الحجة، فإذا بلغه العلم فعليه التوبة، وجماع الأمر في الكلام قوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت. فقول الخير وهو الواجب أو المستحب خيرٌ من السكوت عنه، وما ليس بواجبٍ ولا مستحبٍ فالسكوت عنه خيرٌ من قوله) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢٩٣).
(٤) رواه البخاري (٦٧٠٤).
(٥) رواه البخاري (٣٨٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>