للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يحرم بالحج، ثم قبل طوافه، يفسخ حجه إلى عمرة، فإذا فرغ من العمرة وحل منها، أحرم بالحج، وهذه الصورة تصح عند الحنابلة (١)، والظاهرية (٢)، وبه قال طائفة من السلف (٣)، واختاره ابن تيمية (٤)، وابن القيم (٥)، والشنقيطي (٦)، وابن باز (٧)، ابن عثيمين (٨).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل قال: الحل كله)) (٩).

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((اجعلوها عمرة، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي)) (١٠).

عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا، بل لأبد أبد)) (١١).

وجه الدلالة:


(١) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٥٩).
(٢) فسح الحج إلى عمرة واجب عند الظاهرية لمن لم يسق الهدي. ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٩٩ رقم ٨٣٣)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (١/ ٣٣٣).
(٣) منهم ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري ومجاهد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٨/ ٣٥٨)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (١/ ٣٣٣)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٦/ ٤٩)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٩/ ٢٢٢).
(٤) قال ابن تيمية: (كثير مما تنازعوا فيه قد جاءت السنة فيه بالأمرين مثل الحج، قيل: لا يجوز فسخ الحج إلى العمرة؛ بل قيل: ولا تجوز المتعة, وقيل بل ذلك واجب والصحيح أن كليهما جائز فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة في حجة الوداع بالفسخ وقد كان خيرهم بين الثلاثة وقد حج الخلفاء بعده ولم يفسخوا) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٢/ ٣٣٦)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٩/ ٢٢٢).
(٥) مذهب ابن القيم هو وجوب فسخ الحج إلى عمرة كمذهب ابن عباس وابن حزم، وفي ذلك يقول: (نحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة، تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه) ((زاد المعاد)) لابن القيم (٢/ ١٨٢)، وانظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٩/ ٢٢٤).
(٦) قال الشنقيطي: (الذي يظهر لنا صوابه في حديث ((بل للأبد))، وحديث الخصوصية بذلك الركب، هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية كما لا يخفى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٣٦٠).
(٧) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٣٠).
(٨) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٩٦).
(٩) رواه البخاري (١٥٦٤)، ومسلم (١٢٤٠).
(١٠) رواه مسلم (١٢١١).
(١١) رواه البخاري (١٧٨٥)، ومسلم (١٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>