للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - شُرِعَ السعي؛ تخليداً لذكرى إبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهم السلام؛ وتشريفًا لهم (١).

٢ - استشعار العبد بأن حاجته وفقره إلى خالقه ورازقه كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه (٢).


(١) قال ابن دقيق العيد: (في ذلك من الحكمة: تذكُّر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طي تذكرها مصالح دينية إذ يتبين في أثناء كثيرٍ منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك، وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيراً من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها إنها تعبد، ليست كما قيل، ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها: حصل لنا من ذلك تعظيمٌ الأولين وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله فكان هذا التذكر باعثاً لنا على مثل ذلك ومقرراً في أنفسنا تعظيم الأولين وذلك معنىً معقول. مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: قصة هاجر مع ابنها وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة والآية في إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، أي في التذكر لتلك الحال، وكذلك رمي الجمار إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده، حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدين) ((إحكام الأحكام)) (ص: ٣١٦).
(٢) قال ابن كثير: (فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل؛ ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام) ((تفسير ابن كثير)) ١/ ٤٧٢. وقال الشنقيطي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة; لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور، وهي في أشد حاجةٍ، وأعظم فاقةٍ إلى ربها؛ لأن ثمرة كبدها، وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلدٍ لا ماء فيه، ولا أنيس، وهي أيضاً في جوعٍ، وعطشٍ في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل، فإذا لم تر شيئاً جرت إلى الثاني، فصعدت عليه لترى أحدا، فأمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه وهذه حكمةٌ بالغةٌ ظاهرةٌ دلَّ عليها حديثٌ صحيح). ((أضواء البيان)) (٤/ ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>