للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثامن: أنواع السعي في الحج]

المبحث الأول: سعي المفرد والقارن

على المفرد والقارن سعي واحد للنسك، يقع بعد طواف القدوم، ولهما تأخيره إلى بعد طواف الإفاضة (١)

المبحث الثاني: سعي المتمتع

على المتمتع سعيان: سعي لعمرته، وسعي لحجته بعد طواف الإفاضة: يبدأ أولاً بعمرة تامة في أشهر الحج: فيطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، وبعد الوقوف بعرفة يأتي بطواف للحج وسعي له (٢).

مسألة:

بعد انتهاء المتمتع من الطواف والسعي فإنه يحلق أو يقصر، والتقصير أفضل إن كان قريبا من زمن الحج، ثم يحل بذلك له التحلل كله حتى جماع النساء، أما المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهما بعد سعي الحج، ولا يتحللون إلا يوم النحر: وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (٣)، والمالكية (٤)، والشافعية (٥)، والحنابلة (٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

٣ - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) (٧).

٤ - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سُئِلَ عن متعة الحج فقال: أهلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلَّد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلَّد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي)) (٨).

٥ - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله)) (٩).

٦ - عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائنٌ بينهم قتال، وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي، وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحل من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق، ولم يقصر، حتى كان يوم النحر، فنحر، وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (١٠).

ثانياً: أن سعي المتمتع هو سعيٌ لعمرته، فتعلق الحلق والتحلل بالانتهاء منها، أما سعي المفرد والقارن فإنما هو سعي الحج، وهو لا يتحلل به، وإنما يتحلَّل بأعمال يوم النحر، فلا معنى للحلق أو التحلُّل بعد هذا السعي (١١).


(١) انظر: أعمال القارن.
(٢) انظر: أعمال المتمتع.
(٣) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٤٩)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (٢/ ٤٣).
(٤) ((الكافي)) لابن عبدالبر (١/ ٣٧٠)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (٢/ ٨١٩).
(٥) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٦٥،٦٦)، ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ٤٦).
(٦) قال ابن قدامة: (المتمتع الذي أحرم بالعمرة من الميقات، فإذا فرغ من أفعالها، وهي الطواف والسعي، قصر أو حلق، وقد حلَّ به من عمرته، إن لم يكن معه هدي؛ لما روى ابن عمر، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قال للناس: من كان معه هديٌ، فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) متفقٌ عليه، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (٣/ ٣٥٣)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٨٨).
(٧) رواه البخاري (١٦٩١)، ومسلم (١٢٢٧).
(٨) رواه البخاري (١٥٧٢).
(٩) رواه البخاري (١٥٦٨)، ومسلم (١٢١٦).
(١٠) رواه البخاري (١٦٤٠)، ومسلم (١٢٣٠).
(١١) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٥٣)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (٢/ ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>