للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع: حكم من فاته الوقوف الواجب في مزدلفة]

من فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة صح حجه، وعليه دم (١) إلا إن تركه لعذر (٢) فلا شيء عليه، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (٣)، والمالكية (٤)، والشافعية (٥)، والحنابلة (٦)،

الدليل على وجوب الدم:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه فليهرق دماً)) (٧).

وجه الدلالة:

أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (٨).

الأدلة على سقوط الدم عمن ترك المبيت بالمزدلفة لعذر:

أولاً: من السنة:

١ - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للرعاة في ترك المبيت؛ لحديث عدي رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى)) (٩).

٢ - أن العباس بن عبدالمطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (١٠).

وجه الدلالة:

أن العذر في المزدلفة كالعذر في منى من مشقة المبيت لأهل الأعذار.

ثانياً: أنها ليلة يرمى في غدها، فكان لهم ترك المبيت فيها، كليالي منى (١١).


(١) قال ابن عبدالبر: (ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم، وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها) ((الاستذكار)) (٤/ ٢٩٠).
(٢) من الأعذار التي كثرت في الآونة الأخيرة تعطل السير بسبب الزحام، انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (١١/ ٢١٥ - ٢١٦).
(٣) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٣٦) ((المبسوط)) للشيباني (٢/ ٤٢٣)،
(٤) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٦٩ - ١٧٠)، ((الذخيرة)) للقرافي (٣/ ٢٦٣).
(٥) ((المجموع)) للنووي (٨/ ١٣٦)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٤٩٩ - ٥٠٠).
(٦) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٣٧)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٩٧).
(٧) رواه مالك (٣/ ٦١٥)، والدارقطني في ((السنن)) (٢/ ٢٤٤)، والبيهقي (٥/ ٣٠) (٩١٩١). قال النووي في ((المجموع)) (٨/ ٩٩): إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ٣١٤)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (٥/ ٣٣٠): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (١١٠٠): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(٨) قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) (٤/ ٤٧٣)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٥٢)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣٦٧).
(٩) رواه أبو داود (١٩٧٥)، والترمذي (٩٥٥)، وابن ماجه (٢٤٨١)، وأحمد (٥/ ٤٥٠) (٢٣٨٢٦)، ومالك في ((الموطأ)) (٣/ ٥٩٨)، والدارمي (٢/ ٨٦) (١٨٩٧)، والحاكم (١/ ٦٥٢)، والبيهقي (٥/ ١٥٠) (٩٩٥٥). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (٣/ ٦٥١)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (١٩٧٥).
(١٠) رواه البخاري (١٦٣٤)، ومسلم (١٣١٥)
(١١) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>