للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب على من أعجزه كبر، أو مرض لا يرجى برؤه (١) أن يقيم من يحج عنه إن كان له مال، وهذا مذهب الشافعية (٢)، والحنابلة (٣)، وهو رواية عن أبي حنيفة (٤)، وقول صاحبيه (٥)، وذهب إليه طائفة من السلف (٦)، واختاره الكمال ابن الهمام (٧)، وابن حزم (٨)، وابن باز (٩)، وابن عثيمين (١٠).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: ٩٧].

وجه الدلالة:

عموم الآية، فمن استطاع الحج ببدنه وماله فقد وجب الحج في حقه، فإن كان عاجزاً عن الحج ببدنه، مستطيعاً بماله، فإنه يلزمه أن يقيم غيره مقامه.

ثانياً: من السنة:

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (١١) (١٢).

وجه الدلالة:


(١) يشترط أن يكون العذر مستمرًّا، كالهرم، أو مرض مزمن، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه. ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ١٧٩). ((فتح الباري)) لابن حجر (٤/ ٧٠).
(٢) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٩٤)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٤٦٩).
(٣) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣١).
(٤) ((المبسوط)) للسرخسي (٤/ ٢٧٥).
(٥) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (٢/ ٨٥)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٢/ ٤١٦).
(٦) منهم علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق. ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٠٠)، ((تفسير القرطبي)) ٤/ ١٥١.
(٧) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٢/ ٤١٦).
(٨) قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا, ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً؛ لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له, وكان ذلك داخلاً في نص الآية) ((المحلى)) (٧/ ٥٦).
(٩) قال ابن باز: (العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يلزمه أن ينيب من يؤدي عنه الحج المفروض والعمرة والمفروضة، إذا كان يستطيع ذلك بماله؛ لعموم قول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا *آل عمران: ٩٧*) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٢٢).
(١٠) قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: (نعم)، وذلك في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢١/ ١٥).
(١١) رواه البخاري (١٥١٣)، ومسلم (١٣٣٤)
(١٢) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله ابن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (٧/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>