للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث: النيابة في حج النفل]

اختلف أهلُ العلم في مشروعية النيابة في حج النفل على أقوال، أرجحها:

القول الأول: لا تجوز الاستنابة في حج النفل إلا عن الميت والحي المعضوب (١)، وهذا مذهب الشافعية على الأصح (٢)، وهو رواية عن أحمد (٣)، واختاره الشنقيطي (٤)، وابن باز (٥).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (٦) (٧).

عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) (٨) (٩).

وجه الدلالة من الحديثين:

أن النيابة في الحج إنما شرعت للميت أو العاجز عن الحج، فما ثبت في الفرض ثبت في النفل (١٠).

ثانياً: أنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في الفرض، فإذا جازت النيابة في الفرض فلأن تجوز في النفل أولى (١١).

ثالثاً: أنها حجة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها (١٢).

رابعاً: أن حج النفل لم يجب عليه ببدنه ولا بماله، فإذا كان له تركهما كان له أن يتحمل إحداهما تقرباً إلى ربه عز وجل (١٣).

خامساً: أن النفل كالفرض، فلم يجز أن يستنيب فيه القادر على الحج بنفسه (١٤).

القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً، وهذا قولٌ للمالكية (١٥)، وقول عند الشافعية (١٦)، واختاره ابن عثيمين (١٧).

وذلك لأنه إنما جاز الاستنابة في الفرض للضرورة، ولا ضرورة في غيره، فلم تجز الاستنابة فيه، كالصحيح (١٨).


(١) المعضوب: وهو من كان عاجزا عجزا لا يرجى زواله، وأصله الزمن الذي لا حراك به؛ كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف ويقال له أيضا: المعصوب؛ كأنه قطع عصبه أو ضرب عصبه. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عضب)، ((المجموع)) للنووي (٧/ ٩٣، ٩٤).
(٢) لكن قيدوا الحج عن الميت بأن يكون قد أوصى بذلك. ((المجموع)) للنووي (٧/ ١١٤)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (٣/ ٢٥٤).
(٣) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٤)، ((الإنصاف)) (٣/ ٢٩٦). والمذهب عند الحنابلة الجواز مطلقاً، ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٣٩٧)، وذهب إلى ذلك الحنفية، ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٤٦).
(٤) قال الشنقيطي: ((الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن المعضوب والميت)) ((أضواء البيان)) (٤/ ٣٢٧).
(٥) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ٤٠٥).
(٦) رواه البخاري (١٥١٣)، ومسلم (١٣٣٤)
(٧) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (٧/ ٥٧).
(٨) رواه مسلم (١٨٥٢)
(٩) قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها) ((المحلى)) (٧/ ٦٣).
(١٠) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٧/ ٢٧٥).
(١١) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (١٧/ ٧٧).
(١٢) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٤).
(١٣) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٤٦).
(١٤) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٤).
(١٥) ((مواهب الجليل)) لحطاب (٤/ ٣)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (٢/ ١٨). ومذهب المالكية الكراهة، ينظر: ((مواهب الجليل)) لحطاب (٤/ ٣)
(١٦) ((المجموع)) للنووي (٧/ ١١٤).
(١٧) قال ابن عثيمين: (الأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢١/ ١٤١). وقال أيضاً: (أما الاستنابة في النفل ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله إحداهما: أن ذلك جائز، والثانية: أن ذلك ليس بجائز، وفرق بينها وبين الفريضة، بأن الفريضة لابد من فعلها: إما بنفس الإنسان أو بنائبه، وأما النافلة فلا، فتهاون الناس الآن في النيابة في الحج أمر ليس من عادة السلف) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢١/ ١٤٢).
(١٨) ((المجموع)) للنووي (٧/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>