للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: حكمه]

أنه محرم، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، لكنه لا يخرج من ارتكبه عن ملة الإسلام (١).

ولذا ورد التحذير منه في الكتاب والسنة.

فمن الكتاب: قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: ١١٠].

فإن عموم الآية تشمل الشرك الأكبر والأصغر.

وقوله تعالى: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢].

الآية في الشرك الأكبر، إلا أن بعض السلف كابن عباس – رضي الله عنهما – كانوا يحتجون بها في الأصغر؛ لأن الكل شرك (٢).

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: ١٠].

قال مجاهد: (هم أهل الرياء (٣). ومعلوم أن الرياء هو رأس الشرك الأصغر).

ومن السنة: قوله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (٤)، وقوله عليه السلام: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) (٥) الحديث.

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟)) قال: فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي ... )) (٦).

الحديث.

أما كونه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، فلما قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً) (٧)

ووجه الاستدلال: أن الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر، وإلا لما أقدم عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- لأن يقول مثل هذا القول الذي فيه إقدام على ارتكاب الكبائر، والله أعلم.

ولأن الحلف بالله توحيد، والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، ففيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر (٨).


(١) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (١/ ٥١٨).
(٢) سليمان بن عبد الله آل الشيخ، ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٥٢٢، ٥٢٣).
(٣) ابن حجر الهيثمي: ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (١/ ٣١).
(٤) رواه مسلم (٢٩٨٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) رواه أحمد (٥/ ٤٢٨) (٢٣٦٨٠)، والطبراني (٤/ ٢٥٣). من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه. قال العراقي في ((المغني)) (٣/ ٣٦١): رجاله ثقات. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٠٧): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٩٥١): وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمود بن لبيد؛ فإنه من رجال مسلم وحده.
(٦) رواه أحمد (٣/ ٣٠) (١١٢٧٠)، والحديث رواه ابن ماجه (٤٢٠٤) واللفظ له. قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٤/ ٢٣٧): إسناده حسن. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن.
(٧) رواه الطبراني (٩/ ١٨٣) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٧٩) وعبد الرزاق في ((المصنف)) (٨/ ٤٩٦) , قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٤/ ١٧٧) رجاله رجال الصحيح, وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٥٨): رواته رواة الصحيح, وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (٢٥٦٢).
(٨) انظر ما قال الشيخ سليمان بن عبد الله في ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>