للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المثال الثالث: الاستسقاء بالأنواء]

الاستسقاء في اللغة: من سقى، يسقي، والمصدر: سقيا، بفتح السين وتسكين القاف، والاسم: السقيا، والمراد: إنزال الغيث (١)، والسين والتاء في ((الاستسقاء)) تدل على الطلب، أي السقيا، كالاستغفار، فهو طلب المغفرة، فمادة (استفعل) تدل على الطلب غالباً (٢).

والأنواء: جمع نوء، وهو النجم، وفي السنة الشمسية ثمانية وعشرون نجماً، كنجم الثريا، ونجم الحوت.

فالاستسقاء بالأنواء: أن يطلب من النجم أن ينزل الغيث، ويدخل فيه أن يُنسب الغيث إلى النجم، كما كان أهل الجاهلية يزعمون، فكانوا إذا نزل مطر في وقت نجم معين نسبوا المطر إلى ذلك النجم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا، أو هذا مطر الوسمي، أو هذا مطر الثريا، ويزعمون أن النجم هو الذي أنزل هذا الغيث (٣).

والاستسقاء بالأنواء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن ينسب المطر إلى النجم معتقداً أنه هو المنزل للغيث بدون مشيئة الله وفعله جل وعلا، فهذا شرك أكبر بالإجماع.

القسم الثاني: أن ينسب المطر إلى النوء معتقداً أن الله جعل هذا النجم سبباً في نزول هذا الغيث، فهذا من الشرك الأصغر؛ لأنه جعل ما ليس بسبب سبباً، فالله تعالى لم يجعل شيئاً من النجوم سبباً في نزول الأمطار، ولا صلة للنجوم بنزولها بأي وجه، وإنما أجرى الله العادة بنزول بعض الأمطار في وقت بعض النجوم.

وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الاستسقاء بالأنواء، ومنها:

١ - ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) (٤). قال: فنزلت هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة: ٧٥] حتى بلغ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، ومعنى الآية الأخيرة: أنكم تجعلون شكر ما أنعم الله به عليكم من الغيث أنكم تكذبون بذلك، وذلك بنسبة إنزال الغيث إلى غير الله تعالى (٥).

٢ - ما رواه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)) (٦). وهذا الحديث يشمل على الصحيح النوعين السابقين، فهذا القول كفر، لكن إن نسب الغيث إلى النجم من دون الله فهو كفر وشرك أكبر، وإن نسبه إليه نسبة تسبب فهو كفر نعمة وشرك أصغر.

٣ - ما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)) (٧).


(١) ((معجم مقاييس اللغة)) و ((النهاية)) (مادة: سقي).
(٢) ((القول المفيد)) باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.
(٣) ينظر: ((التمهيد)) (١٦/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، ((شرح السنة)) (٤/ ٤٢٠)، ((شرح النووي لصحيح مسلم)) (٢/ ٦١)، ((النهاية)) (مادة: نوأ)، ((جامع الأصول)): النجوم (١١/ ٥٧٧ - ٥٧٨).
(٤) رواه مسلم (٧٣)
(٥) ((المفهم)) (١/ ٢٦١)، ((إكمال المعلم)) (١/ ٣٣٣).
(٦) رواه البخاري (٨٤٦)، ومسلم (٧١).
(٧) رواه مسلم (٩٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>