للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الأول: السحر والشعوذة]

وهو لغة: عبارة عما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السحر سحراً لأنه يقع خفياً آخر الليل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحراً)) لما في البيان من قدرة من يتصف به على إخفاء الحقائق.

وشرعاً: هو عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان، فتمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه، قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ، وقد أمر الله بالتعوذ من السحر وأهله، فقال جل شأنه: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ وهن السواحر اللواتي ينفخن في عقد السحر، والسحر له حقيقة؛ ولذا أمرنا بالتعوذ منه، وظهرت آثاره على المسحورين، قال تعالى: وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. فوصفه بالعظم، ولو لم تكن له حقيقة لم يوصف بهذا الوصف، وهذا لا يمنع أن يكون من السحر ما هو خيال، كما قال سبحانه عن سحر سحرة فرعون: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى أي: يخيل لموسى أن الحبال تسعى كالحيات من قوة ما صنعوه من السحر. وعليه فالسحر قسمان:

أحدهما: سحر حقيقي.

والثاني: سحر خيالي.

وهذا لا يعني أن الساحر قادر على تغيير حقائق الأشياء، فهو لا يقدر على جعل الإنسان قرداً أو القرد بقرة مثلاً.

والساحر ليس هو ولا سحره مؤثرين بذاتهما ولكن يؤثر السحر إذا تعلق به إذن الله القدري الكوني, وأما إذن الله الشرعي فلا يتعلق به البتة؛ لأن السحر مما حرمه الله ولم يأذن به شرعاً، قال تعالى: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ.

وحكم الساحر: كافر خارج عن ملة الإسلام، والسحر: كفر مخرج عن ملة الإسلام، فهو من الكفر الأكبر الذي إن مات عليه لم يغفر له، وأحبط له عمله.

وعليه، فالساحر يقتل مرتداً، وقد ثبت قتل الساحر عن عدد من أصحاب رسول الله عليه السلام، فقد صح عن أم المؤمنين حفصة (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت)، وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة, فقتلنا ثلاث سواحر). وقد صح عن جندب بن عبد الله الأزدي مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((حد الساحر ضربة بالسيف)) وهو قول مالك وأحمد وأبي حنيفة وقال الشافعي: (يقتل إذا قتل به إنساناً). وقال أبو حنيفة: (يقتل إن تكرر منه السحر). وقتله عند مالك وأحمد وأبي حنيفة حد للمرتد، وعند الشافعي لا يقتل إلا إذا قتل به قصاصاً عن قتله لمعصوم، وأما كفره، فإن لم يصف كفراً ولا فعله فليس بكافر، مع العلم بأن الكل متفقون على أنه محرم، ومن كبائر الذنوب، بل من الموبقات، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر ... )) إلخ الحديث.

هذا وقد كان سحر النبي عليه الصلاة والسلام من قبيل المرض المؤثر في البدن دون العقل الذي هو مناط التكليف، ولذا لما أمره جبريل وميكائيل أن يقرأ المعوذات الثلاث (سورة الإخلاص والفلق والناس) فهم عنهما وقرأ فأزال الله بذلك ما كان يشعر به.

والصحيح الراجح من أقوال أهل العلم عندي: أن الساحر كافر بالله كما قال تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: ١٠٢]، ولولا أن تعلمه واستعماله كفر لما وجها له هذا التحذير.

ويدخل في مسمى السحر ما يفعله بعض الناس مما يسمى خفة يد، والتنويم المغناطيسي، وما يسمى بتحضير الأرواح، وغيرها من أفعال الشعوذة والدجالين.

وإذا كان السحر محرماً والساحر على الراجح كافراً فإن إتيانهم، وطلب عمل السحر أيضاً محرم، ومن يقصد الساحر كافر كفراً أصغر هو أعظم من كبائر الذنوب، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم شيئا من السحر قليلاً كان أو كثيراً كان آخر عهده من الله)) رواه عبد الرزاق، عن صفوان بن سليم، وهو مرسل (١).

والسحر من الشرك لأنه لا يحصل إلا بالاستعانة بالشياطين، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه)) رواه النسائي وحسنه ابن مفلح (٢). المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية لإبراهيم بن محمد البريكان– ص: ١٤١


(١) [٣٦٩٧])) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (١٨٧٥٣).
(٢) [٣٦٩٨])) رواه النسائي (٧/ ١١٢) , والطبراني في ((الأوسط)) (٢/ ١٢٧) , قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٥/ ٥٥١): [فيه] عباد المنقري هو ممن يكتب حديثه, وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (٩/ ٤٢٩): [فيه] عباد بن ميسرة قال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أبو داود ليس بالقوي, وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ٣٧٨): لا يصح للين عباد بن ميسرة وانقطاعه, وقال الألباني في ((ضعيف النسائي)): ضعيف لكن جملة التعليق ثبتت في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>