للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - تعظيم الآثار]

المقصود بالآثار هنا: الآثار المكانية، ونحوها.

وقد تقدم أنه لا يجوز تعظيم مكان لم يعظمه الشرع، كما أن هذا التعظيم يجب أن يكون على وفق الشرع أيضاً، وما جاوز ذلك من التعظيم والتبرك بالأماكن فممنوع.

وقد لاحظنا ... أن تعظيم الآثار المكانية وتقديسها هو السبب الباعث على التبرك بها وطلب الخير عندها.

كما يلاحظ أن معظم هذه الآثار التي يتبرك بها هي آثار النبي والصالحين المكانية المنسوبة إليهم، مثل أماكن ولادتهم، ومواضع عبادتهم أو إقامتهم، أو بعض أحوالهم، ...

ويدخل في هذا تعظيم قبور الأنبياء والصالحين والبناء عليها.

وهذه الآثار المكانية إما أن تكون ثابتة – وهي الأكثر – أو منقولة، مثل ما يزعم في بعض البلدان من أحجار عليها أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وما ينقل من تراب القبور تبركاً.

ولا شك أن تعظيم تلك الآثار، ومن ثم التبرك بها، قد حصل بسبب تعظيم أصحاب هذه الآثار والغلو فيهم.

ومن الأسباب الأخرى أيضاً تقليد الكفار، فإن الكفار يعظمون آثار عظمائهم، وتعظيم الآثار من سماتهم.

ويمكن أن يدخل فيما تقدم مما يعظم ويتبرك به: التبرك الممنوع ببعض البقاع المقدسة، أو ما هي مظنة التقديس والتعظيم، كالتبرك ببعض أجزاء الكعبة، أو بالمشاعر المقدسة، أو بصخرة بيت المقدس، ونحو ذلك.

هذا ولعل من أسباب انتشار التبرك بالمواضع: تساهل الكثير من العلماء في رواية أخبار فضائل المواضع، وعدم تمحيصها، فكثرت في كتب الفضائل الأحاديث والآثار والأخبار الضعيفة، بل والموضوعة، عن فضائل بعض المواضع وما تحتوي عليه من البركة.

ومن النماذج لما وصل إليه تعظيم وتقديس الآثار المكانية، والمبالغة في اقتضائها للبركة ما يأتي:

(١) أن مفتاح الكعبة إذا وضع في فم الصغير الذي ثقل لسانه عن الكلام يتكلم سريعاً بقدرة الله تعالى (١).

(٢) ما يروى أن الله تعالى قال للصخرة: (أنت عرشي الأدنى).

(٣) تمسح الجهال بالحاج أو المعتمر من مكة المكرمة، أو الزائر للمدينة المنورة، بل وبسكان الحجاز وما حوله.

(٤) نقل شيء من تراب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وحفظه تبركاً، وكذا قبر غيره صلى الله عليه وسلم.

(٥) أكل تراب جبل عرفات، ونحوه.

وغير ذلك كثير ...

وهناك أسباب أخرى عامة ساعدت على وجود وانتشار هذا التبرك الممنوع وفشوه في المجتمع.

ومن أهم هذه الأسباب على سبيل الإجمال: تأثير الفرق المبتدعة، كالصوفية والرافضة، والتمسك بالآثار الضعيفة أو الموضوعة، وقياس الممنوع من التبرك على المشروع منه، وسكوت العلماء عن الإنكار، والاستسلام للعاطفة, والتعصب للهوى، والله تعالى أعلم. التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن الجديع – بتصرف – ص: ٤٧٩


(١) انظر ((رحلة الصديق إلى البيت العتيق))، للسيد صديق حسن خان (ص: ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>