للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: عبادة الملائكة]

الملائكة مطبوعون على طاعة الله، ليس لديهم القدرة على العصيان: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦].

فتركهم للمعصية، وفعلهم للطاعة جبلّة، لا يكلفهم أدنى مجاهدة؛ لأنه لا شهوة لهم.

ولعلّ هذا هو السبب الذي دعا فريقاً من العلماء إلى القول: إن الملائكة ليسوا بمكلفين، وإنهم ليسوا بداخلين في الوعد والوعيد (١).

ويمكن أن نقول: إن الملائكة ليسوا بمكلفين بالتكاليف نفسها التي كلف بها أبناء آدم. أما القول بعدم تكليفهم مطلقاً، فهو قول مردود، فهم مأمورون بالعبادة والطاعة: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: ٥٠]. وفي الآية أنهم يخافون ربهم، والخوف نوع من التكاليف الشرعية، بل هو من أعلى أنواع العبودية، كما قال فيهم: وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: ٢٨].

مكانة الملائكة:

خير ما يوصف به الملائكة أنهم عباد الله، ولكنهم عباد مكرمون، وقد سبق أن أشرنا إلى أن دعوى المشركين في أنّ الملائكة - بنات الله - دعوى باطلة، لا نصيب لها من الصحة، وقد أكذب الله القائلين بهذا القول، وبين حقيقة الملائكة ومكانتهم في أكثر من موضع، قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٩].

الملائكة عباد يتصفون بكل صفات العبودية، قائمون بالخدمة، منفذون للتعاليم، وعلم الله بهم محيط، لا يستطيعون أن يتجاوزوا الأوامر، ولا أن يخالفوا التعليمات الملقاة إليهم، خائفون وجلون ...

ومن تمام عبودية الملائكة أنهم لا يتقدمون بين يدي ربهم مقترحين، ولا يعترضون على ما أمر من أوامره، بل هم عاملون بأمره، مسارعون مجيبون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء: ٢٧]، وهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون به، فالأمر يحركهم، والأمر يوقفهم، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: فنزلت: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: ٦٤])) (٢).

نماذج من عبادتهم:

الملائكة عباد الله، مكلفون بطاعته، وهم يقومون بالعبادة والتكاليف بيسر وسهولة. وسنورد - هنا - بعض العبادات التي حدثنا الله، أو رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم يقومون بها.

١ - التسبيح: الملائكة يذكرون الله تعالى، وأعظم ذكره التسبيح، يسبحه تعالى حملة عرشه: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [غافر: ٧]، كما يسبحه عموم ملائكته: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الشورى: ٥].

وتسبيحهم لله دائم لا ينقطع، لا في الليل، ولا في النهار: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: ٢٠].

ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبِّحون في الحقيقة، وحق لهم أن يفخروا بذلك: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات: ١٦٥ - ١٦٦].


(١) ((لوامع الأنوار البهية)) (٢/ ٤٠٩).
(٢) رواه البخاري (٣٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>