للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: التفاضل بين الملائكة]

والملائكة متفاضلون بعضهم أفضل من بعض، وأفضلهم المقربون الذين قال الله فيهم: لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء: ١٧٢].

قال الرازي: (قوله: وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ يدل على أن طبقات الملائكة مختلفة في الدرجة والفضيلة, فالأكابر منهم مثل جبريل, وميكائيل, وإسرافيل, وعزرائيل, وحملة العرش) (١) والملائكة المقربون هم المسمون بالكروبيين) (٢).

قال ابن الأثير: (وفي حديث أبي العالية: ((الكروبيين سادة الملائكة)) هم المقربون) (٣).

قال ابن كثير وقد ذكر أقسام الملائكة: (ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش, وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى: لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٤).

وأفضل المقربين رؤساء الملائكة الثلاثة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في دعائه الذي يفتتح به صلاته إذا قام من الليل فيقول: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض .. )) (٥). الحديث

قال ابن القيم في هذا الحديث: (فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله, وكم من ملك غيرهم في السماوات فلم يسم إلا هؤلاء الثلاثة، فجبريل صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل صاحب القطر الذي به حياة الأرض والحيوان والنبات, وإسرافيل صاحب الصور الذي إذا نفخ فيه أحيت نفخته بإذن الله الأموات وأخرجتهم من قبورهم) (٦). وقد خص الله جبريل وميكائيل في كتابه بالذكر وعطف ذكرهما على ذكر الملائكة فقال: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة: ٩٨]. قيل إنما خصهما بالذكر تشريفاً لهما (٧).

وأفضل الملائكة ومقدمهم جبريل عليه السلام، قال الله عز وجل فيه: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة: ٩٧]. فشرفه الله عز وجل بذكره وذم معاديه، وذكر سبحانه دليل فضله وتشريفه وهو وظيفته الشريفة الكريمة: تبليغ الوحي للرسل من الله، فهو الواسطة بين الله ورسوله، وقد سماه الله في كتابه بأسماء شريفة ووصفه بأوصاف كريمة، قال سبحانه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: ١٠٢]. فسماه روح القدس، وقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء: ١٩٣]. فسماه الروح الأمين، وقال سبحانه: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: ١٩ - ٢١]. أي أن القرآن نزل به جبريل ووصف سبحانه جبريل بصفات كريمة كلها تقتضي تفضيله على سائر الملائكة, فهو رسول كريم, وذو قوة، وهو مكين المنزلة عند ذي العرش, ومطاع في السموات تطيعه الملائكة، وأمين على وحي الله ورسالاته (٨) , ولقد خصه الله بالذكر في مواضع من كتابه، قال سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم: ٤].

فذكره سبحانه بعد ذكر نفسه ولم يذكر سواه من الملائكة، وقال سبحانه: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ [القدر: ٤]. ففي هذه الآيات تخصيص من الله له في الذكر مع ذكر الملائكة، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء أن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء)) (٩). وفي هذا الحديث ما لا يخفى من بيان فضل جبريل عليه السلام وأنه ليس فقط مبلغ كلام الله إلى الرسل بل وإلى الملائكة أيضاً.

ومن أفضل الملائكة أهل بدر منهم كما في الحديث أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة)) (١٠). مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي - ص: ٣٥٠


(١) ((تفسير الرازي)) (١١/ ١١٩).
(٢) ((الفتاوى)) (٤/ ٣٥٧) و ((البداية والنهاية)) (١/ ٤٩) و ((معارج القبول)) (٢/ ٨٧).
(٣) ((النهاية)) (٤/ ١٦١).
(٤) ((البداية والنهاية)) (١/ ٤٩).
(٥) رواه مسلم (٧٧٠). من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما.
(٦) ((زاد المعاد)) (١/ ٣٦).
(٧) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٣٦).
(٨) ((زاد المسير)) (٧/ ٤٣).
(٩) ((البخاري مع الفتح)) (١٣/ ٤٦١) و ((مسلم)) (٤/ ٢٠٣٠).
(١٠) رواه البخاري (٣٩٩٢). من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>