للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: أنه لا ينسب إلا إلى الله تعالى]

الأصل في الأقوال أن تنسب إلى قائليها، تلك قضية مسلمة لا شك فيها. وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس من عند نفسه، بل هو من عند ربه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ - ٤].

لكن ما بلغه عليه الصلاة والسلام لأمته، إما أن يؤمر بتبليغه بلفظه على أنه قرآن لا يزيد فيه حرفاً، ولا ينقص منه حرفاً، وإما أن يوحى إليه معناه، ويوكل إليه التعبير عنه.

فما كان من الأول فليس للرسول صلى الله عليه وسلم منه إلا التبليغ، ولا يمنحه هذا حق نسبته إليه، فلا ينسب إلا لله سبحانه وتعالى.

أما النوع الثاني فإن للرسول صلى الله عليه وسلم فوق تبليغه صياغة ألفاظه، وحينئذ فيجوز أن ينسب إلى الله نسبة إنشاء، ويجوز أن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسبة تبليغ وعبارة، هذا فيما يضيفه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه أو ما يسمى بالأحاديث القدسية.

وعلى هذا فإن القرآن الكريم هو الذي لا تجوز نسبته لغير الله, لأن لفظه ومعناه من عند الله.

قال ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى عن الأحاديث القدسية: (وهي ما نقل إلينا آحاداً عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه, فهي من كلامه تعالى، فتضاف إليه وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولاً، وقد تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخبر بها عن الله تعالى، بخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه: (قال الله تعالى) , وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى) (١).

ولعل الحكمة في جواز نسبة الأحاديث القدسية إلى الله تعالى وإلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنها ليست كالقرآن، ألفاظها ومعانيها من الله، فلا تصح الصلاة بتلاوتها، وينال قارئها ما ينال تالي القرآن من الثواب على كل حرف، ويجوز أن يمسها المحدث، وتجوز روايتها بالمعنى، وتختلف الروايات فيها، بخلاف القرآن وما إلى ذلك، ولو كان لفظها من الله، لكان لها ما كان للقرآن الكريم. خصائص القرآن الكريم لفهد بن عبد الرحمن الرومي– ص: ١٣٢


(١) ((فتح المبين لشرح الأربعين)) أحمد بن حجر الهيثمي (ص: ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>