للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يكون تكليماً، قال ابن كثير: (وكلا المعنيين صحيح) (١) كأنه يرى أن الأمرين قد وقعا وهو قد قال في قوله سبحانه: مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ في آية البقرة ما نصه: (يعني موسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم وكذلك آدم) (٢).

وإن صح تكليم الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج قد يتأول أنه وقع في السماء, فتبقى خاصية موسى عليه السلام. ومر من فضائله – عليه السلام – كونه في السماء السادسة، وقد آتاه الله عز وجل تسع آيات بينات إلى فرعون وقومه ظهرت بهن حجته وقامت بينته أيده الله بهن قال سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء: ١٠١]. وقال عز وجل: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل: ١٢].

وأما عيسى عليه السلام فاختص من بين سائر الخلق بأنه ولد لأم من غير أب، وإنما نفخ جبريل في درع جيب مريم فحملت بعيسى عليه السلام وتكلم في المهد وآتاه الله من البينات ما فضله به في قوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: ٢٥٣]. وقد حكى الله كلام عيسى في المهد فكان مما قاله وتظهر فيه من فضائله عليه السلام غرر: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم: ٣٠ - ٣٣]. وقد قال سبحانه في ذكر ولادة عيسى عليه السلام: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا [مريم:١٦ - ٢٢].

وكان من الآيات التي آتاها الله عيسى عليه السلام ما ذكره سبحانه في قوله: إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [المائدة: ١١٠].

وقد رفعه الله عز وجل إليه، فهو حي في السماء وهو في الثانية كما في أحاديث الإسراء، قال سبحانه في تكذيب اليهود في دعواهم قتله عليه السلام: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ [النساء: ١٥٧ - ١٥٨]. وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم إذ ليس في الأنبياء حي إلا هو.

وسينزل عليه السلام في آخر الزمان كما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وهذا من خصائصه عليه السلام، قال سبحانه: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء: ١٥٩]. وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً)) (٣). وقال صلى الله عليه وسلم ((كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم)) (٤). وأجمعت الأمة على نزوله عليه السلام آخر الزمان (٥). مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص ١٤١


(١) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٢٥٠).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٢٥٠).
(٣) رواه البخاري (٢٢٢٢)، ومسلم (١٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٣٤٤٩)، ومسلم (١٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) ((البحر المحيط)) (٢/ ٤٧٣) و ((لوامع الأنوار البهية)) (٢/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>