للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: توجيه النهي الوارد في التفضيل بين الأنبياء]

لابد من اعتقاد التفاضل بين الأنبياء واعتقاد فضل الرسل على الأنبياء وفضل أولي العزم على بقية الرسل وفضل محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، لقيام الأدلة الشرعية الصريحة الصحيحة على ذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيه عن التفضيل بين الأنبياء، ونهيه عن تفضيله خاصة على بعض الأنبياء، وفي هذا إشكال يظهر لناظره ويزول لمتأمله، وقد خرج العلماء وجوهاً من القول في توجيه ذلك النهي.

أما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تخيروا بين الأنبياء)) , وفي رواية ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) وهو واقع في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي، فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك، فقال: أضربته؟ قال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث، على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء .. )) الحديث (١)، وفي رواية: ((لا تخيروني بين الأنبياء)) (٢) وفي رواية: ((لا تفضلوا بين أنبياء الله)) (٣) , وروى القصة أبو هريرة بنحوه إلا أنه قال: ((لا تخيروني على موسى)) (٤) وفي حديث ثان قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) (٥) إلا أن النهي في هذا الحديث يحتمل التأويل على وجهين:

الأول: أن يكون المراد بقوله (أنا): رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، قال الخطابي: (وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث، فقد جاء من غير هذا الطريق أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) (٦) فعم الأنبياء كلهم فدخل هو في جملتهم) (٧).

الثاني: أن يكون إنما أراد صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا ينبغي لعبد)): من سواه من الناس، أي لا ينبغي للعبد القائل أن يقول ذلك (٨).

وقد دل على أن هذا هو الأولى في معنى الحديث جملة من ألفاظ الحديث في عدد من رواياته في الصحيحين، ففي رواية: ((لا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى)) (٩) وفي رواية: ((من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب)) (١٠) فلا يصح مع قوله: ((فقد كذب)) أن يكون المراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية يقول صلى الله عليه وسلم: ((قال – يعني الله تبارك وتعالى – لا ينبغي لعبد لي (وفي لفظ: لعبدي) أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) (١١). فقوله: ((لعبد لي)) يمنع أن يكون المراد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.


(١) رواه البخاري (٢٤١٢) ومسلم (١٦٣)، (٢٣٧٤).
(٢) رواه البخاري (٦٩١٦).
(٣) رواه البخاري (٣٤١٤)، ومسلم (١٥٩).
(٤) رواه البخاري (٢٤١١)، ومسلم (١٦٠).
(٥) رواه البخاري (٢٤١١)، ومسلم (١٦٧).
(٦) رواه أبو داود (٤٦٧٠) من حديث عبد الله بن جعفر وسكت عنه، وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ١٩٦): إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٥٨٢١).
(٧) ((معالم السنن)) للخطابي (٣/ ١٤٦).
(٨) ((معالم السنن)) (٣/ ١٤٦) و ((فتح الباري)) (٨/ ٢٦٧) و ((تحفة الأحوذي)) (١/ ٥٤٢ و ٩/ ١١٩).
(٩) رواه البخاري (٣٤١٤)، ومسلم (٢٣٧٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٠) رواه البخاري (٤٦٠٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١١) رواه مسلم (٢٣٧٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>